رسالة الى أختي ~ بقلم الأستاذ فؤاد حسن محمد / كاتب وأديب واعلامي

. . ليست هناك تعليقات:

رسالة الى أختي
بقلم :فؤاد حسن محمد

أنا متيقنة أيها الموت أنك حق ولكن ما هو ذنب العاشقين ؟؟؟؟؟
-اليوم زرت قبر أختي اسراء ووضعت عليه وردة وكتاب كاللتين اهدتني اياهما يوم عيد ميلادي.
كانت هدى متعبة ، قليلون هم الناس الذين يزورون الموتى ،المرأة الوحيدة التي شاهدتها كانت تجول بين القبور عن قبر والدها الذي توفي منذ زمن طويل ،وعندما لم تستطع تميزه ،رمت باقة الاّس على الأرض وعادت ادراجها من حيث اتت .
في الهواء الطلق كانت أفعى مرقطة تسلخ جلدها فوق الحجارة ،تنسل منه بجلد لامع ، تاركة وراءها كفن هش،نظرت هدى بدهشة الى عملية التجديد ،كانت تود لو أن الإنسان يستطيع أن يقوم بهذه العملية الحيوية .
ان زيارة هدى للقبر هي محاولة بائسة لاسترداد اختها بمثابة تفتيت لروحها ،وأما ما تعيشه الآن فهي حياة من غير حياة ، وموت يلاحقها في سراديق الحزن، فظاعة أن يصبح الحزن استغلالا للموت ،تنهد ونشيج وبكاء تدفع من هم في مأساتها الى التوحد مع الألم ،الذي سيتحول الى سعادة .
الموت مجرد اغلاق باب الحياة بعد خروجك منه
محاولة استرداد روح الميت سيكون بمثابة أغلاق باب الكون سينتهي بخروج روح من يفعل ذلك .رحلة تخيلية الى نقطة يمتد أمامها مستقبلا للعب قبل الموت ، شعرت بانقباض وهي تتأمل القبر،انه اشبه بالجحيم على الأرض ،لقد أغلقت اسراء باب الحياة بعد أن خرجت منه .رغم ذلك كانت تسترق السمع الى من يزورها ،تتخذ من قبرها مرصداً للتسلية ،لم تزل تشعر بالحب اتجاه هدى ، وبغرابة لا حد لها سمعت هدى همس من عمق القبر:
-اسمعي يا هدى ...كل واحد يرقد في القبر له قصة ، وكل زائر هو جزء من هذه القصة ،انت ترين عيون الزائرين التي تذرف الدموع ،أو تمتلئ بالحزن ،لكنك ل اتعرفين اسرار هذا الحزن ،فالناس خلفيات جميلة لصور قبيحة ،والكل يروي قصص الوفاء والتفاني،فهذه المرأة التي شاهدتها تخرج من المقبرة ،زوجة تا جر ،تركت والدها يتعفن كخرقة بالية ،دون أن تقدم له كأس ماء طيلة فترة مرضه .
الناس ينظرون الى الميت بقرف ،لكنهم يستغلون الموت بالحزن ؟؟؟!!!
كان الصوت الذي يخرج من أسراء هو نفسه الذي يخرج من هدى ،بل زاد من ذلك التوحد في كل التفاصيل ،خاصة ان كل منهما يجلس في غرفته الخاصة ولا يغادرها ، حتى ان البعض تساءل من الذي مات هدى أم اسراء .
كانت هدى يراودها حسٌّ بالسعادة عندما يزداد حزنها على أختها،ذرفت الدموع الغزيرة حتى تفتت روحها ،انفعلت كثيرا حتى أصبحت عبرة للموت ،سوف تشعر بالوحدة لو لم تفعل ذلك ،هكذا كانت اسراء الطيبة القلب تكدح بدون ملل في رعاية أختها وتتحمل مسؤلية ذهاب هدى الى الحمام وتحضير الطعام .
إن هدى لتتذكر جيداً كما لو أن الأمر حدث منذ لحظات ،كيف كانت إسراء تقف عند باب الغرفة وهي تحمل الأشياء الثقيلة ،شعور بالبهجة يتملك هدى حين تسمع أختها تدلعها :
-هدهد ..أنظري ماذا جلبت لك ؟؟؟
خريطة الحزن معقدة داخل قلب هدى ،يغرس مخالبه السوداء في رئتيها فتنفجر في حنجرتتها شهقة قبل ان تختنق بالبكاء،صورة أختها المعلقة على الحائط ،تتابع حركتا وهي مقيدة على كرسيّ المتحرك ،تراقب وجهها بعينيها الحلوتين ،ترسل لها قبلة بالهواء كلما أنفجر الحزن في قلبها ،تسحبها معها الى نهاية العالم ،لتبحثا معاً بين أشلاء الذكريات عن ذرة أمل في التلاقي .
فظاعة ان تصبح الذكريات بيت عنكبوت يصطاد الأحبة كالحشرات،كانت تنظر الى الصورة نظرة تلو النظرة ،لكي تصبح عيناها أكثر لمعانا على الرغم من شعورها من النظرة الأولى أنه العبث في العودة من متاهات العدم.
الذكريات تنثر أقواسها حولها على هيئة دمية تشبه أختها ،دمية تطلب منها التوقف عن البكاء الذي يتضخم داخلها كالسرطان ،وتطلب منها أن أتوقف عن الكتابة التي تصل الى الكثيرين لكنها لاتصل الى المقصود بالكتابة.
طفقت هدى بنظرها تجول الأشياء التي واكبت حياتها عندما كانت على قيد الحياة،تذكر هدى كل ماعاشته عيناها مع أختها ،هنا عاشت وهنا فرحت وهنا حزنت وهنا ايضا ماتت .
جلست تراقب الصورة ،يتنافذ الى رأسها جمال أختها وستره ،كانت مستغرقة في فحص اسرار الصورة علها تكتشف لماذا هي حزينة لفقدها ،بعد عشر ثوان من التأمل تصدر نحيب مكتوم ،ينساب على خدها دمع حرّاق يحتضن روحها التي سرقت من صدرها ،ليتها تستطيع أن تنهض عن هذا الكرسي اللعين وتلمس الصورة،يتصاعد نحيبها حتى تتقطع أنفاسا ،فتتكور على نفسا ،لا...بل تدفن نفسي في قبر الذكريات.
تشعر بالوحدة ليس هناك ما تهتم به ،تشتت الشمل ،ربما لم يخطر ببالها يوما أني ستفارقها،هي رضيت بنصيبها أن تودع هذه الحياة أما هي فلم ترضى ،هي حظيت بموت سريع وهدى حظيت باّلام بطيئة.
دفعت عجلات الكرسي المتحرك الى الشرفة ،تحاول أن تمد رقبتها لترى وجه أختها بين المارة ،بذلت كل هذا الجهد لعلها تسمع خطوات أختها بين المارين في الشارع ،، مع مرور أخر شخص تشعر بشئ ما يقفز في صدرها ،تطرق الظنون رأسها لن تعود ؟؟؟ ،القيت بعقلها جانبا ،اعتلت درجات الحلم ،لم تتوقف في الصعود حتى رأت وجه أختها يطل من خلف الجادة ،تلمح في يدها وردة حمراء وكتاب ،لحظة توحد في غفلة الزمن ،تسمع صوتها ينادينيها ،تبعثرنها الخطى وهي تركض نحوها ، حتى تتقطع أنفاسها ،ويغمى عليها ،خيل اليها أنها تسمع ثمة صوت يصل اليها من أعماق الماضي :
- هدى ..هيا تعالي
راحت أسراء تكرر النداء ..تعالي ...تعالي ...اعبري حاجز الموت ...هيا ...لا تخافي .
تشبثت هدى بالكرسي المتحرك بكل قوتها ،لاتريد مغادرة هذا الكرسي ،أستيقظت هدى من غيبوبتها،تطلعت بعينين جامدتين الى وردة حمراء وكتابان ملقيان على صدرها.

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

3efrit blogger


أنا أبنك ياعراق وعاشگك حد الجنون لو تخون الدنيا كلها لا تظن أبنك يخون . أنا عــراقـي

تابعونا على الفيس بوك


مؤسسة السياب الإليكترونية تجمع ثقافي عربي بلا حدود

هل تعلمين .. وأنا أبحثُ عنّي ؟! كنتِ هنا فأكتفيتُ بأنكِ امرأتي التي حلمتُ بها لأرتديها قصيدة وألوّنها بالحروف . منى الصرّاف / العراق

# إبتسم .. الدنيا متسوه - ما إجتمع أربعة رجال بمكان واحد إلا وكانت النار وراء أفعالهم ! وما إجتمعت ثلاثة نساء بمكان آخر إلا وأحرقنّ الرابعة الغائبة ! منى الصرّاف / العراق

مؤسسة السياب للثقافة والآداب

مؤسسة السياب للثقافة والآداب

كل عام والمرأة اينما كانت بالف خير انتم نحن .. بعيدا عن فوضى الهويات .. نسكن الارض نفسها ونتنفس الهواء ذاته انه التعايش الانساني المشترك .. تجاوزنا حاجز الثقافة واللغة واسسنا لغة الجمال .. ( بقليل من الطين وكثير من الحب هكذا تصنع الاوطان ) منى الصرّاف / العراق

من منّا حين عجزت أدواته لم يحلم بفانوس سحريّ أو بساط طائر لتحقيق أمنياته ليصحو بعد ذلك لعيش قسوة الحياة ، كيف باستطاعتنا الدخول في معركة بمفردنا نعرف سلفا سنخرج منها بخسارة كبيرة ، حتى لو امتلكنا الشّجاعة لمطاردة أحلامنا ، فكيف نصل الهدف دون معرفة أدواته ، فللشجاعة أيضا أدواتها ، حين تكون اليد خالية فأحلامنا سرعان ما تذبل ، أمّا البطولة فهي تحدث فقط ! دون التخطيط لها . منى الصرّاف / العراق من رواية ( للعشق جناحان من نار )

روايتي ( بتوقيت بغداد ) وفي اول طرح لها في بغداد بعد مشاركتها في العديد من المعارض الدولية الصادرة عن دار النخبة في جمهورية مصر العربية ومجموعتي القصصية ( للخوف ظل طويل ) في طبعتها الثانية الصادرة عن دار كيوان في سوريا ستجدونها في بغداد - شارع المتنبي - مجمع الميالي في دار ومكتبة ... ( الكا ) للنشر وبامكان الدار ايصالها لاي شخص يرغب من المحافظات العراقية حين الاتصال بهاتفهم المعلن على واجهتها . الكاتبة والشاعرة منى الصراف

مجلة السياب الليكترونية / قــسم الارشيف

آخر المشاركات على موقعنا

لـــوجـه ابي بقلم الاستاذ الأديب جاسم العبيدي

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

الصفحة الرئيسية

مـن أجـل سـلامـتـك .... بـس خـليـك بالـبيت 🙆🙋🙇👫

مـن أجـل سـلامـتـك .... بـس خـليـك بالـبيت        🙆🙋🙇👫
نصائح للجميع حول الوقاية من جائحة كورونا: ١- أهمية التباعد الإجتماعي كون فيروس كورونا لم يثبت الى اليوم انتقاله عبر الهواء لذا خليك بالبيت وعند اختلاطك بالناس إحرص ان تكون المسافة بينك وبين الاخرين من متر ونص الى مترين . ٢- غسل اليدين بالماء والصابون بإستمرار ولمدة 40 ثانية عند خروجك من الأسواق والأماكن العامة وتجب ان لا تلمس وجهك أثناء وجودك بالأماكن العامة ، ويفضل عند تواجدك بالأماكن العامة أن ترتدي قفازات عند دخولك البيت يجب وإزالتها . ٣- لست بحاجة إلى ارتداء الكمام الطبي إلا اذا كنت تعاني من العطس او عندك شكوك أنك مصاب بفيروس كورونا ، ولكن يفضل إرتدائها عندما تكون في الأسواق والأماكن العامة حتى تتجنب لمس وجهك دون إدراكك على أن يتم رميها والتخلص منها قبل دخولك البيت وانتبه أن تكون إزالتها عن الوجه بالطريقة الصحيحة حتى تتجنب ملامسة اليد لها وذلك عن طريق رفع الخيط المتصل بالأذن اليسرى بإستخدام اليد اليمنى وسحبها باتجاه الإذن اليمنى أو العكس بالعكس دون ملامسة الوجة الخارجي للكمامة. ٤- إحرص على غسل مقابض أبواب البيت الرئيسية بالماء والصابون عند دخول أي فرد من أفراد العائلة.

About the site to your language

مساحة إعلانية

شروط النشر في مجموعتنا على الفيس بوك

1- يمنع منعاً باتاً مشاركة المنشورات والفديوات في النشر ولوحظ بعض المسؤولين والمشرفين بممارسة هذة الممارسه الخاطئة للاسف يمنع منعاً باتاً منح الموافقات للمنشورات الطائفية والتي فيها تجاوزعلى الذات الالهية والرموز الدينية والتاريخية ومنشورات الاعلانات التجارية 2- يمنع نشر بطاقات التهنئة للمناسبات الدينية والوطنية وتحية الصباح والمساء الامن قبل رئيس مجلس الادارة ومدير التحرير للمجلة ومن ينوبهما فقط 3 -تحدد المنشورة بمنشور واحد فقط للعضوا في اليوم اعتباراً من هذا اليوم1تموز2017 واثنين للمسؤولين والمشرفين تقديراً لجهودهم على الجميع الالتزام بما ورد اعلاه مع الشكر والتقدير للجميع . الاستاذ الأديب الشاعر ماجد محمد طلال السوداني مستشار مؤسسة مؤسسة السياب اليكترونية للادب والثقافة والمشرف الاداري العام للمؤسسة والمسؤول عن تنفيذ سياستها

مساحة إعلانية

مؤسسة السياب للثقافة والآداب للمزيد من المعلومات والاستفسار الإتصال بنا على الهاتف مراعاة الرمز البلد(العراق) 00964 07803776116

تــــنويــة

كاريكاتير اليوم

كاريكاتير اليوم