حجر الأساس / 23 /
[ صديقي من النوع الذي إذا آمن بفكرة يصعب عليه تقبل ما سواها، أو أن يقبل التنازل عنها، أو أن يرى صحة لما في غيرها ! - أقول "فكرة" ولا أقول غير ذلك -
و كلما حضرني ذكر صديقي هذا أتذكر سيرة امرئ يسير في طريق فيبصر قشرة موز على بعد أمتار منه، فيضرب أخماسا بأسداس و يقول يا إلهي حتما سأسقط أرضا بسبب هذه القشرة ! ]
حجر الأساس تحكي هذه المرة - أيها الأحباب - قصة " المشيئة " و دورها في تسطير الواحد منا لعلاقاته؛ و إنها حجرة ذات أهمية قصوى، فمن خلالها يسطر الواحد منا علاقاته بثقة و اعتداد و رسوخ أو يكون على تردد و ضعف و إنهزام و سقوط !
في الحياة لكل واحد منا دائما و أبدا مشيئة يشاؤها، فهي تمضي به إلى خير أو إلى شر نفسه
و طبعا فمن نافلة القول الظن بأن " المهزوم " يمكنه أن يحسن في إنشاء علاقاته أو أن يكون عاملا على قيام و نشوء حضارة
و إن إنهزام المرء يتجلى في تشاؤمه و سخطه و رفضه و تبرمه من كل شيء حوله!
صحيح أن المرء يتأثر و يصاب بعقدة النقص حين تكون تلك العقدة سمة عامة للمجتمع الذي هو منه ! و لكنه - أي المرء - في النهاية وحده يكون صاحب المشيئة و القرار في أية خطوة يخطوها إلى خير أو إلى شر نفسه.
و تبقى الطامة الكبرى حين يختار المرء بمشيئته أن يكون مهزوما عند تسطيره لعلاقاته، و بالتالي فهو لايزال يتراجع و يتراجع في كل أمره حتى يكون عالة على نفسه و على مجتمعه، و ذلك بدل أن يكون عامل نهوض و ارتقاء بنفسه و المجتمع
أرجو ألا يظن الواحد منا اليوم أنه بمنأى عن هذه الحالة السلبية أو أن يعلق تبعات إنهزامه على دولة و مجتمع و سلطة و مؤسسات، ثم يبحث لنفسه عن تبرير لمواقفه الفاسدة بدعوى وجود قوة عظمى مهيمنة فهو خاضع لها و مقيد بها؛ و قد نسي أن قراره ملك يمينه
لكنها مشيئته - أي الفرد - أن يظل مهزوما و منهزما !! تلك هي مشيئته
- و كتب من حلب: يحيى محمد سمونة -
حجر الأساس / 24 /
في حديث هادئ و ماتع و واعد مع صديقي الذي يخالفني عادة في الرأي و التوجه، سألني قائلا: - أي صديق - ما دمت بصدد وضع حجر الأساس لنهضة مجتمعية حضارية واعدة، فهل ترى من علاقة ربط بين مسألة " التكفير " و ما ينجم عنها من سقوط و ضياع للأمة الواحدة؟ و بمعنى آخر: لو شرع أفراد المجتمع الواحد في تكفير بعضهم بعضا، و سعى كل واحد منهم للنيل من اﻵخر ! ألا ترى أن ذلك يؤدي إلى سقوط المجتمع و ترديه؟
- لا أكتمكم سرا إذ أقول أن سؤال صديقي هذا قد كان ملغوزا غير أني تجاهلت ذلك -
قلت: دعني أنظر إلى الأمر من زاوية أخرى هي أعم و أشمل من مسألة " التكفير " و ما ينجم عنه من تناحر و تباغض! ألا وهي مسألة " الكيد " و ما يجره - أي الكيد - على المجتمع الواحد بكل أطيافه من ويلات، باعتبار أن صفة " الكيد " الشنيعة لا تلازم الطليعة المثقفة في المجتمع المسلم فحسب، بل تلازم طلائع الثقافة لدى الطوائف و الملل و النحل و الأديان و المذاهب و اﻷحزاب و التكتلات الأخرى، و حتى أنها تلازم بعض أفراد الأسرة الواحدة في المجتمع الواحد !
و لكن قبل أن استرسل شرحا لموضوع " الكيد " و مخلفاته السلبية على المجتمع و على صاحب الكيد نفسه، أود التنويه إلى
أن مسألة " التكفير " و " النظرة أحادية الجانب " ليست خاصة بمجتمعاتنا الدينية فحسب بل هي سمة ظاهرة في عموم المجتمعات و تجدها تأخذ مسميات مختلفة، و تحت أطر متنوعة، و لعل " الزمان " و " المكان " هما خير شاهد على ما أقول.
أيها الأحباب:
ثمة تلازم و تشابه بين " الكيد " و " القيد " فكلاهما يصفد الإنسان و يجره !
و لعل الفارق بينهما أن" القيد " يكون في الحسيات، بينما " الكيد " يكون في المعنويات. فمن قيد نفسه ب " كيد " فقد ضاقت عليه الأنفاس و بدا مثقلا ! ولا تجده يحسن و يبحر النظر إلى اﻷمور، بل تجده يتحرك ضمن دائرة رسمها لنفسه، فهو لا يخرج منها البتة
و أستميحكم عذرا لهذه الإطالة
و يتبع بعون الله تعالى
- و كتب من حلب: يحيى محمد سمونة -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق