الصلصال ~^~ بقلم الأستاذ الشاعر فؤاد حسن محمد

. . ليست هناك تعليقات:

الصلصال
على القبر تألق الرخام بضوء الشمس الشفقي .
اختفى الشبح الذي نحبه تحت بياضه ، لكنه لم يرحل. لم نعد نلمح ظله على الجدار، و لكننا نشعر بحضوره .الحضور الذي لا يمكن التعبير عنه ،حضور الأرواح الخيرة التي توهج أعيننا الدامعة.
وبدون معجزة رفع حسن نظره إلى الأعلى ، المعجزات التي لم تعد تنزل من سماء جبلة المقدسة، فمنذ ملايين السنين ربما هبطت أكبر معجزة . أدم وحواء .ومن يومها مازال الصراخ والعويل وسيول الدمع توجه الدعوات لوقف نزيف الدم.
على مسافة ليست بعيدة عن القبر وجه حسن أعظم دعوة إلى الله أن يعيد له والده ، وبخلاف معظم الأطفال ، لو ألقيت لمحة إلى عينيه السوداوين الواسعتين لبدتا أنهما تمتلكان القدرة عاى عبور الحجب . كان حسن يشعر أن بإمكانه أن يعيد والده من المقبرة ،لكنه لم يكن يعلم أنه في تمام الساعة العاشرة وخمسة ثواني سيقبض على روحه ، وسيغمض عينيه الواسعتين إلى الآبد .

" يا الله.... لا تجفف دمعي ولا تكبت تنهيدتي "في هذا الدعاء يقبع حزن يجلب الدموع إلى عيني حسن ،و من وراء غلالة دموعه ،يتماوج القبر إلى ظل قاتم ،فيهبط خياله غربا ،وتبدأ سبابته ترسم خطوطا على الزجاج المغبش بالبخار ،كانت نظرة القبر مظلمة تحشد روح بلغت روحا أخرى ،لقد كان يتمنى رؤية وجه والده بطريقة ما ولو مرة واحدة ،لكنه كان يخشى عند لقاءه هذا الوجه أن يكون متآكلا ، وصل أخيرا إلى خداع نفسه ،لدرجة أنه أعتقد خطأُ أن عودة الميت شيء ممكن .
ولّدَ الوهم في قلبه الأمل ،الآن لأول مرة تسحر عقله أضغاث الأحلام ،لقد أصبح شوقه يأخذ شكل هلوسات حسية ، كان ينظر مرة بعد أخرى إلى القبر من وراء النافذة ،إن ما يرسمه في خياله ليس مجرد جسد ،ولا شبح لظل ، بل جوهر روح ينتظر أن تقوم من القبر .وبقدر ما كان حلم ميئوس منه بقدر ما كان يزدد تمسكه به .
غمر حسن التعب من جراء التفكير المؤلم الذي أثقله ،لكنه وجد فيه شيء من الراحة ،فواصل العبث بالسر، سر الخلق .
- سأصنع له تمثال من الصلصال ....وأنفخ فيه من روحي .
التفت يمينا ويسارا ً لم يجد أحدا غيره ،وقبل أن يكمل رغبته في الارتفاع عاليا ، تدحرج إليه صوت ماء يغور في الأرض :
- من تنتظر ؟؟؟
-أنتظر رجوع أبي !!!!
- أين أبوك ؟؟
- نسيته في القبر
- تعال معي .
لمس الصوت يده بهدوء ،لا حنان يرخي يده كحنان والده ، فقط كانت هناك رائحة حنونة ،سحبه وهو يحكم قبضته عليه ،قال له حسن :
- انتظر من أنت
مسد شعره برفق :
- أنا لست أحدا
هز حسن رأسه ولم يعرف ماذا يقول ،استشعر وهو يمشي ملمس جرة الماء ، وشرب من ماءها ، أخذته ذاكرته إلى رائحة التراب ،وظل يتبع هادئا وراء الصوت الغائر في شق الأرض أمامه ،مأخوذا في صلاة روحية ، تخلع على الموت طيفا من الهيبة ، ويملأها بالقدرة على الابتعاث من حنين المجهول .
لم يكن الصوت كالشيء الرقيق الهادئ ،إنما هو أقرب إلى العنف متدفقا بوسوسة وادعة،فخالجه شيء من الإحساس المبعثر ،والخوف من وجود قوى خفية شريرة ، تتحكم بعدد بدقات قلبه .
تتصاعد الأصوات في رأس حسن ، تتحدث إليه ،تخبرة ماذا يجب أن يفعل ، تقول " أخرج إلى المقبرة " تأمره أن يفعل شيئا مجنونا " أصنع تمثالا من الطين على هيئة والدك " ،تتلاشى تلك الأصوات بسرعة لتعود بسرعة " تم أنفخ فيه من روحك " ، هذه ليست أصوات إنها كابوس حي ، صرخ وصرخ و صرخ في قلبه لكنه لم يصدر عنه أي صوت " لا أقدر " ،تهدأ الأصوات لكن تصبح حالته أسوء " أذا لن ترى والدك " يعذبه الجواب ،قرر أن يسكت تلك الأصوات ،لكن الأصوات تعالت في ضجيجها " سيتمثل الصلصال أبا سويا "
خرج حسن من الغرفة، كانت السماء تمطر فوق القبر ،جمع كومة من الطين ،بدأ يعجنه ،استمتع بوشوشة الطين تمرق من بين أصابعه ، مر وقت طويل قبل أن تخبره الأصوات ماذا عليه أن يفعل ،وإذ أدار رأسه أبصر الصوت يستحيل شابا جميلا ،وكان وهو في مكانه يصدر همهمات آتية من رأسه ،وقف حسن يتأمل هذا الجمال ، كان يبتسم له وهو يأمره " إصنع دمية من الطين " ، الساعة تقترب من العاشرة صباحا ، صنع ماتهيأ له دمية ، قال له الشاب :
- أنفخ فيه
نفخ حسن نفخة طويلة أخرجت روحه من فمه ، كانت الساعة قد أكملت العاشرة وخمس ثوان .

فؤاد حسن محمد    جبلة- سوريا

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

3efrit blogger


أنا أبنك ياعراق وعاشگك حد الجنون لو تخون الدنيا كلها لا تظن أبنك يخون . أنا عــراقـي

تابعونا على الفيس بوك


مؤسسة السياب الإليكترونية تجمع ثقافي عربي بلا حدود

هل تعلمين .. وأنا أبحثُ عنّي ؟! كنتِ هنا فأكتفيتُ بأنكِ امرأتي التي حلمتُ بها لأرتديها قصيدة وألوّنها بالحروف . منى الصرّاف / العراق

# إبتسم .. الدنيا متسوه - ما إجتمع أربعة رجال بمكان واحد إلا وكانت النار وراء أفعالهم ! وما إجتمعت ثلاثة نساء بمكان آخر إلا وأحرقنّ الرابعة الغائبة ! منى الصرّاف / العراق

مؤسسة السياب للثقافة والآداب

مؤسسة السياب للثقافة والآداب

كل عام والمرأة اينما كانت بالف خير انتم نحن .. بعيدا عن فوضى الهويات .. نسكن الارض نفسها ونتنفس الهواء ذاته انه التعايش الانساني المشترك .. تجاوزنا حاجز الثقافة واللغة واسسنا لغة الجمال .. ( بقليل من الطين وكثير من الحب هكذا تصنع الاوطان ) منى الصرّاف / العراق

من منّا حين عجزت أدواته لم يحلم بفانوس سحريّ أو بساط طائر لتحقيق أمنياته ليصحو بعد ذلك لعيش قسوة الحياة ، كيف باستطاعتنا الدخول في معركة بمفردنا نعرف سلفا سنخرج منها بخسارة كبيرة ، حتى لو امتلكنا الشّجاعة لمطاردة أحلامنا ، فكيف نصل الهدف دون معرفة أدواته ، فللشجاعة أيضا أدواتها ، حين تكون اليد خالية فأحلامنا سرعان ما تذبل ، أمّا البطولة فهي تحدث فقط ! دون التخطيط لها . منى الصرّاف / العراق من رواية ( للعشق جناحان من نار )

روايتي ( بتوقيت بغداد ) وفي اول طرح لها في بغداد بعد مشاركتها في العديد من المعارض الدولية الصادرة عن دار النخبة في جمهورية مصر العربية ومجموعتي القصصية ( للخوف ظل طويل ) في طبعتها الثانية الصادرة عن دار كيوان في سوريا ستجدونها في بغداد - شارع المتنبي - مجمع الميالي في دار ومكتبة ... ( الكا ) للنشر وبامكان الدار ايصالها لاي شخص يرغب من المحافظات العراقية حين الاتصال بهاتفهم المعلن على واجهتها . الكاتبة والشاعرة منى الصراف

مجلة السياب الليكترونية / قــسم الارشيف

آخر المشاركات على موقعنا

لـــوجـه ابي بقلم الاستاذ الأديب جاسم العبيدي

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

الصفحة الرئيسية

مـن أجـل سـلامـتـك .... بـس خـليـك بالـبيت 🙆🙋🙇👫

مـن أجـل سـلامـتـك .... بـس خـليـك بالـبيت        🙆🙋🙇👫
نصائح للجميع حول الوقاية من جائحة كورونا: ١- أهمية التباعد الإجتماعي كون فيروس كورونا لم يثبت الى اليوم انتقاله عبر الهواء لذا خليك بالبيت وعند اختلاطك بالناس إحرص ان تكون المسافة بينك وبين الاخرين من متر ونص الى مترين . ٢- غسل اليدين بالماء والصابون بإستمرار ولمدة 40 ثانية عند خروجك من الأسواق والأماكن العامة وتجب ان لا تلمس وجهك أثناء وجودك بالأماكن العامة ، ويفضل عند تواجدك بالأماكن العامة أن ترتدي قفازات عند دخولك البيت يجب وإزالتها . ٣- لست بحاجة إلى ارتداء الكمام الطبي إلا اذا كنت تعاني من العطس او عندك شكوك أنك مصاب بفيروس كورونا ، ولكن يفضل إرتدائها عندما تكون في الأسواق والأماكن العامة حتى تتجنب لمس وجهك دون إدراكك على أن يتم رميها والتخلص منها قبل دخولك البيت وانتبه أن تكون إزالتها عن الوجه بالطريقة الصحيحة حتى تتجنب ملامسة اليد لها وذلك عن طريق رفع الخيط المتصل بالأذن اليسرى بإستخدام اليد اليمنى وسحبها باتجاه الإذن اليمنى أو العكس بالعكس دون ملامسة الوجة الخارجي للكمامة. ٤- إحرص على غسل مقابض أبواب البيت الرئيسية بالماء والصابون عند دخول أي فرد من أفراد العائلة.

About the site to your language

مساحة إعلانية

شروط النشر في مجموعتنا على الفيس بوك

1- يمنع منعاً باتاً مشاركة المنشورات والفديوات في النشر ولوحظ بعض المسؤولين والمشرفين بممارسة هذة الممارسه الخاطئة للاسف يمنع منعاً باتاً منح الموافقات للمنشورات الطائفية والتي فيها تجاوزعلى الذات الالهية والرموز الدينية والتاريخية ومنشورات الاعلانات التجارية 2- يمنع نشر بطاقات التهنئة للمناسبات الدينية والوطنية وتحية الصباح والمساء الامن قبل رئيس مجلس الادارة ومدير التحرير للمجلة ومن ينوبهما فقط 3 -تحدد المنشورة بمنشور واحد فقط للعضوا في اليوم اعتباراً من هذا اليوم1تموز2017 واثنين للمسؤولين والمشرفين تقديراً لجهودهم على الجميع الالتزام بما ورد اعلاه مع الشكر والتقدير للجميع . الاستاذ الأديب الشاعر ماجد محمد طلال السوداني مستشار مؤسسة مؤسسة السياب اليكترونية للادب والثقافة والمشرف الاداري العام للمؤسسة والمسؤول عن تنفيذ سياستها

مساحة إعلانية

مؤسسة السياب للثقافة والآداب للمزيد من المعلومات والاستفسار الإتصال بنا على الهاتف مراعاة الرمز البلد(العراق) 00964 07803776116

تــــنويــة

كاريكاتير اليوم

كاريكاتير اليوم