مطوّلة
حسين مردان أمام القاضي*
(الدّفاع)
أضدادٌ
تباعدُني عمّا أريد
بعد فسخِ عقدٍ بيني وبين جماجمَ فارغة
لم تبرحْ أنْ تكونَ مكيالَ شعيرٍ في بادية . . .
لم يعُدْ ذاك أمامي سوى مبلولِ ما تتركُهُ الأبقارُ في مرعى . . .
أيّها الظّانُ بنفسهِ إنّهُ يملكُ الجّهاتِ الأربع . . . ١
دعني
أُخاطبْكَ بمفرداتٍ قد لا تجدُ فيها رائقاً
يُرضي غرورَ ملك . . .
أنتَ نيشانٌ تافهٌ
يحملهُ سفهاءٌ
يجرّون أمامَهم إلى وراء . . .
أفاعٍ
تحتفظُ حتى بثيابِها المنزوعةِ
وهماً
يُخيفُ مَنْ كان لهُ قلبان في جوفِه . . .
تعساً لِما حللْنا به
يستعرضُ قوتَهُ بأحمرَ أمامَ ثورٍ أسبانيٌّ مُنفلت . . .
كنتُ خصماً لك منذُ أنْ قطعْنَ الحبلَ السّريّ
اصطبغَ وجهي بلونِ العوزِ الأغبر . . .
لم تنلْ ممّا نويتْ
ولو تغابياً بلونِ الطّاعة . . .
ما التقينا في محطةٍ واحدةٍ إلآ تصارعتْ عيونُنا من غيرِ نزال . . .
افتراقٌ على وعيد . . .
. . . . .
انفصلتُ عن عالمٍ
يُرقّعُ خيمتَهُ بقطعٍ من خلافٍ
يمزّقُ ما رُقّعَ في دائرةٍ سوداء . . .
أوزارُهُ
تحملُها متونُ التّعساء
ولغيرِهم
على ألوانِهِ يُجنى التّرف . . .
لعلّ يومي
يغفرُ لي غفلتَي في صباي . . .
نفسي أقاضي
لها أنْ تكونَ أو لا تكون
ما صرخَ بوجهِ قدرِهِ هاملت !
. . . . .
نسائي
يحملْنَ سحرَ بابل
سمرةَ سومر
في صورٍ ما شهدتْ كمثلهِا بغدادُ في سالفِ عصر . . .
يقصُرُ إحساسُ شاعر
رقصتْ قوافيهِ على شاردِ نغمٍ من زرياب . . .
يتبرجْنَ ليسَ في حضرةِ سلطانٍ
يغتصبُ يدَه . . .
ولا في سوقِ نخاسةٍ
يشطرُ آدمَ أرباعاً
أخماساً
وإنْ أنصفَ
يُنصفُه . . .
هُنّ الحياةُ كما وِلدتْ تحتَ السّماء !
. . . . .
دونَكم ما احتدمَ في قلبِ الحجّاج . . .
لن تغلقوا كوةً صغيرةً
يتسلّلُ منها القمرُ ثوباً لعاريةٍ
في حُضنِ عاشق . . .
لا يجمعُ من حديثِكم سوى زبَدٍ
لا يبلُّ منقارَ طير . . .
لستم جزءاً من فزعِه
أنتم
دودُ مقابر . . .
لِمَ تنكرون أنْ ترى عيني ما تراهُ الجّدرانُ لحظةَ عُري ؟
وتَدَعون خائنةَ عينٍ ما شاءَ لها
أنْ تسرقَ ما تحت . . .
. . . . .
قولوا عنّي ما ذهبتْ بكم حروفُ الذّم . . .
فأنا بالتّفاهةِ التي تصفون
بلغتُ عوالمَ
تحتاجون إلى سنواتِ نوحٍ النّبيّ
كي تقفوا عندَ أبوابِها متسوّلين . . .
اذرعوا بحذاءِ الطّنبوريّ بينَكم وبينَ الذّرى
إنْ أردتُم الصّعودَ إليها . . .
عجنتُ طينتي بأنفاسِ الخطيئةِ الأولى . . .
أحرقتُ وسادتي
فقد كذبتْ . . .
أيُّكم لا تصرُعُهُ روابٍ رابية ؟
جمّارٌ
يتجرّدُ عن ثوبِه ؟
لا يتلاشى في محرابٍ كانَ لباساً لآدمَ في جنتِه ؟
ما أجملَ أنْ يُمزّقَ القزُّ شرنقتَه !
لا تُفتحُ الأبوابُ بيا سمسم . . .
. . . . .
دعوني في مملكةٍ مُشرعةٍ من غيرِ حرس
لا أخشى من عرّافٍ على ماءٍ يسير . . .
أتداوى بما أفتى بهِ نديمُ صفرائهِ الدّاء . . .
ليس عندي تأويلٌ على وجوهٍ
يُداهنُ نقيضٌ نقيضَه . . .
ليس لعاشقٍ أنْ يشطرَ قلبَه
ولو قلبتْ لهُ الأيامُ ظهرَ المِجنّ . . .
معكم
إلى لحظةٍ
انفجرَ فيها الورمُ عن قيْح . . .
ودّعتُ نسختي الصّماءَ إلى حيثُ أنا . . .
ساخراً مما يمتصُّ رحيقَ نشوتِكم المبتورة . . .
أجداثاً
تتنفّسُ خوفَها بشهقاتِ غريق . . .
. . . . .
سلطانٌ من غيرِ حاجب
ينتعلُ خوفَه . . .
لا يسألُ عن أصلِ البيْضة . . .
لونِ براقش . . .
عددِ أصحابِ الأخدود . . .
اتّسعَ خرمُ الأبرة طريقاً لشبقٍ تحتَ رَماد . . .
جوارٍ متجرّدةٌ بقطوفٍ دانية
يحملْنَ عرشاً
تحرسُهُ من شياطينِ الشّعرِ عيون . . .
لا أوراقَ توت
ما لحسنٍ أنْ يُحجبَ بحجاب !
رَبّاه
كيفَ صوّرتَهُ بهذهِ الصّورةِ التي يتفتّتُ أمامَها أيُّ عزم ؟
. . . . .
نوناتٌ لي
من أفاعي أبي شبكة ٢
فيهن
كُلُّ ما سلبَ لُبَّ ابنِ ربيعة . . .
ضجّ بهنَّ دافقٌ في دارةِ جُلجُل . . .٣
أُضاجعُ أيّهنَ تحتَ رايةٍ بيضاء
لا تحتَ رايةِ فتحٍ أحمر
حصدَ من الحياةِ أخضرَها . . .
أنا
هُنَّ
خطفْنا ساعاتٍ
لا تمرُّ بها عقاربُ زمنٍ
يتلهّى ببعثرةِ ما يجمعُهُ بؤساءُ الأرض . . .
كشفتْ كُلٌ عن ساقيْها لتعبرَ لجةً ممنوعةً
فانزاحَ وقار . . .
لا تغضّوا الطّرفَ
فنحنُ كذلك
وأنتمْ بأمرِ الأمير . . .
متى تَدَعون المرآةَ تحكي ما ترى ؟
. . . . .
مُذهلٌ
سيدتي !
أنْ تعصفي بمملكةٍ من الفرعونِ إلى الحوذيّ . . .
أنْ تقذفي الممنوعَ نواةً في قاعِ النّيل . . .
مَنْ قالَ أنَّ امرأةً
يضطرمُ في جوفِها عشقٌ
تصرخُ بوجهِ نبيّ
أنتَ لي
وإنْ عانقتِ الأرضَ السّماء . . .
أبدعُ ما صنعتْهُ يدُ الله !
جوريّ
تكوّرَ
فانشطرَ سحراً
لا يُلامُ عاشقُه . . .
قِباباً . . .
أخجلَتْ ضوءَ الشمس . . .
قِواماً
سجدتْ لهُ أعمدةُ الرّخامِ قبلَ قاماتِ كهنةِ آمون في معبدِه . . .
سيدةٌ أنا وأنتَ عبد
لولا أنّ ربَكَ لم يخلِ بينكَ وبينَ نفسِك . . .
العشقُ غيّرَ هذا بذاك . . .
الأبوابُ السّبعة
لا تكتمُ شهادةً ناطقة
كانَ القميصُ صادقاً هذهِ المرّة !
. . . . .
(القرار)
بمطرقتِه
ضربَ القاضي رأسَ زمنِه . . .
العُريُّ
كانَ لباساً في جنّةٍ
طُردَ مَنْ فيها بعدَ الخَصْف . . .
ما سارَ مردانُ وحيداً في هذا الدّرب . . .
افتحوا سجنَ النّساء
البسوا البراءةَ عارياتِ مردان . . .
أدركتِ الأسماءُ أنّ معانيها لم تجفْ بعدُ على شفاهِ شُريْح . . .
دعوا الرّجلَ
قَصُرَ ما عندنا عمّا عندَه . . .
إنّهُ خارجٌ لتوّهِ من جحيمِ دانتي ليعودَ إليه
فبودلير ٤
ينتظرُهُ عندَ الباب . . .
. . . . .
كانَ معي أنا
لا يصافحُني سِواه . . .
اصطحبتُ حساني بثيابِ نومٍ
هربتْ منها الأزرار
فاستباحَ الذّهولُ بساتينَ التّفاح
فكانَ الاشتهاءُ وليمةً من غيرِ خِوان . . .
لابُدَّ من عثورٍ على زقٍّ
يُطفيءُ ظمأَ سجنٍ
ابتلعتْ أقفالُهُ مفاتيحَه . . .
ليتَ فضاءَ العصافيرِ لكُلِّ سجناءِ الحريّة . . .
حدَقاتٌ تتّسع . . .
ثمارٌ
تدلّتْ لقطاف
لكنَّ أياديَكم من دونِ أصابع . . .
تودّون فعلَ ما فعلتْ
لكنّ الجُّبنَ لا يحتلّْ القِلاعَ الحصينة . . .
حُفرُ الجُرذِ منازلُ رخيصة !
. . . . .
عبد الجبار الفياض
تموز /2020
* صدر عن دار المشرق في لبغداد قصائد عارية لحسين مردان سنة ١٩٤٩ .
القرار
لعدم توفر أركان الجريمة ضد المتهم السيد حسين مردان ،قررت المحكمة الإفراج عنه وفق المادة 155
من قانون إصول المحاكمات واُفهم علنا . "
حاكم جزاء بغداد الاولى
26 تموز 1950 " .
١ نرام سين ملك الجهات الأربع في الحضارة السومرية .
٢ أفاعي الفردوس للشاعر الياس ابو شبكة .
٣ بركة ماء كبيرة والقصة معروفة مع الشاعر امرئ القيس .
٤ شارل بودلير 1821-1867 شاعر وناقد فني فرنسي. بدأ كتابة قصائده النثرية عام 1857 عقب نشر ديوانه أزهار الشر .
يبدو ان الشاعر حسين مردان قد تأثر بهذا الشاعر حتى لقب بودلير العراق .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق