( سيميائية الوجود العدمي )
قراءة تحليلية عن النص ( عصر الضجيج )
للشاعر العراقي سالم الحمداني
النص
***
من اين يبدا المصير ؟
تارشفت الملوك والعهود .
عصر تدلى ،
عصر تناءى ،
وعصر مازال في الضمير .
تعددت الشموس ،
والظلام هو الظلام .
ايضمحل الشعاع ،
وتبقى الشموع ؟
كل المرايا تلاشت
تهشمت
على صدر
اخرى تهادت
من طين غريب ،
ونحيب وحشة
بوجه من زبد مريب
كم تعثر الرفيف .
فتعالت اهازيج الدماء ،
على متون الصلبان
صبايا يرقصن ،
تئن اثداء الارض
من بطن الضجيج .
استلت صرخة شجن
والفكر بين قضبان المنون
يهتف بكل اشداقه
من اين يبتدئ العروج
والمسير ؟
......
القراءة
****
تفكيك بنية النص السيميائية :
اولا / العتبة العنوانية :
توحي بالامتداد العامودي للبنية الزمانية ( العصر ) ، مبتدأه في الماضي الموغل القدم ، حتى آنية الوقت الحالي لكنه زمن بلا ملامح او هوية ، فهو بلا تاريخ ، حيزه المكاني غير معلوم الحدود ( لازمن بلا مكان ) ، وبالاحالة الى متن النص ( المتن يفسر العنوان كما عرّفه علم العنونة ) ، نجد ان سماته ضبابية:
( عصر تدلى ) / لااشارة الى الموضع الذي تدلى منه ، ولا الى اي منحدر
( عصر تنائى ) / مجهولية المتنائى عنه ، و الجهة المتنائى صوبها
(عصر مازال في الضمير ) / ضمير من ، وماسرُّ هذا المكوث ؟
كما انه ملوث بضوضاء اللامعنى ( الضجيج/ بالاحالة الخارجية : صخب وجلبة مختلفة ومتداخلة الاصوات لايُفهم لها معنى ، وهو من ملوثات البيئة الحية ، يؤذي ارتفاعه الشديد المسامع ، ويتسبب بالتوترات النفسية للسامع .
بذا تكون العتبة مفتاحاً دلالياً ، توحي للقارئ بمضمون النص ، وتمكنه من دخول عالمه الداخلي وفتح مغاليق معانيه المكتظة بلامنطقية اشاراته وعبثية دلالاتها المعنوية .
....ثانيا/ البنية الفنية للغة النص :
1 ـ البنية الدلالية
تكاد الاشارات الاحادية المعاني ، المألوفة الدلالة ، تطغى على مركبات هذه البنية في مجمل اللغة النصية ، كما في هذه العينة :
( تأرشفت ، تنائى ،الضمير ، الشموس ، الظلام ،الشموع ، المرايا ، الارض، الفكر ، قضبان ، الخ) فبالرجوع الى سياقاتها اللغوية.، نجد انها مجرد دوال تلازم مدلولاتها المعجمية ، بلا احالة او تناص خارجي ماخلا مرتين
ستردان في سياق الدراسة لاحقا،
المقاربة الدلالية:
قصدية فقر الاشارات السابقة معنوياً هو خلق مكافئ وصفي لجدب الحياة في مكزمان العصر المذكور
2 ـ البنية النحوية
أ / الاتكاء قصدياً على الدلالة الاستفهامية
فمطلع النص وخاتمته جملتان استفهاميتان كلتاهما تبدآن بذات الاسم المجرور الدال على مكان ( من اين ) المتسائل ظاهريا عن فعل الشروع الآني الحدوث ، بصورتيه المجردة ( يبدأ ) والمزيدة ( يبتدئ ) ، الا انه يضمر تساؤلاً عن مسكوت عنه ( ظرف مكاني يتمم دلالة فعل.الابتداء الذي لكي يتحقق معناه يستوجب وجود موضع مكاني معلوم بمثل بداية منطلقه ..نحو منتهاه / موضع توقفه ) .
وهذا ما يوضحه الجواب : يبدأ / يبتدئ المصير من المكان (كذا ) ، عن ذاك السؤال : من اين يبدأ المصير ؟
غير ان ذلكما الاستفهامين مجازيان يفيدان ( الاستبعاد ) عما يمكن ان تحقق صورته في الذهن ( مفهوم الاستفهام الخقيقي) فمكانا المصير والمعراج هما افتراضيان لا واقعيان / المسكوت عنه : لامنطقية الاشارتين
وفي السياق النصي استفهامات اخرى :
( ايضمحل الشعاع .. وتبقى الشموع ؟)
استفهام مجازي تعجبي ، من هيمنة الغربة على ذلك المكزمان ،ومعمّقة لغربة انسان فيه ( الشعاع المضمحل يكافئ دلالياً ديمومة الظلام الموحي بالوحشة والعزلة)
( وكم تعثر الرفيف )،
استفهام كما في اعلاه،يفيد معنى التعجب من ترصُّد وتصيُّد ذلك المكانُ النزوعَ نحو الحرية ، فآفاقه تضيق بتحليق طيوره / الرفيف + افاق = حرية
ب / لااسماء اعلام ولا ضمائر او غيرها من اسماء المعارف تدل او تشير لعاقل
..لتأكيد غياب الاثر الانساني عن المكزمان الممسوخ الحياة
المقاربة الدلالية : المكزمان يزيح ، ويقصي ماله عائدية او صلة بالكائن الحي العاقل / الانسان،
تكثيف المقاربة : المكزمان ساقط من ذاكرة الوجود الانساني
مما سبق يتضح ان الاتكاء على دلالات الاستفهام اظهر تحتانية قصد مضمون النص ( خواء الوجود انسانيا ) ،
.3 ـ البنية الزمنية
ابتداء وانتهاء النص بفعل مضارع ، دلالة على استمراريته الحدثية الان وفي المستقبل ، وتواصلية مقاصده
4 ـ الاحالة اوالتناص الخارجيان
الاشارتان ( المصير ) و ( العروج) احاليتا الدلالة للسياق الخارجي الديني / القرآن
وهذا جعلهما يموضعان ذلك المكزمان في ( الواقع العربي )
مقاربته الدلالية : مصير الانسان مقدر عليه مسبقاَ وعليه التسليم به
5 ـ بنية الصور الشعرية:
العناصر المركبة لمعظم هذه الصور متقابلة الدلالة ، ومنها ( ايضمحل الشعاع ، تبقى الشموع ، اهازيج السماء ، متون الصلبان ، قضبان المنون )
مقارباتها الجدلية المعنوية كما يلي :
يضمحل ( افول ) / الشعاع ( توهج ) ، تبقى ( ثبوت ) / الشموع ( زوال ) ، اهازيج ( افراح ) / السماء ( دعاء وخشوع ) ...... الى قضبان ( وجود مادي / المنون ( عدم حسي )
المقاربة التشكيلية : صور لاواقعية ، كاسرة للقياسات الجمالية ، لاعقلانية ، ترسم غرائبية وتناقضية حياة لا يجد فيها الانسان ظلاَ لمعناه او صدى لافكاره
المقاربة المعنوية : مكزمان متعارض مع الوعي الانساني ،
6 ـ الازاحات الدلالية والتركيبية :
الاشتغال عليها يتمثل في بعض الاشارات المركبة منها :
( كل المرايا تلاشت ) / الدلالة : تبدد صدى اغوار الذات الانسانية الداخلية ، غربة نفسية
( على متون الصلبان
صبايا يرقصن ) / قطف البراءة ، وأد الامال
( والفكر بين قضبان المنون ) / تغييب الوعي
خاتمة النص الاستبعادية الاستفهام ( من اين يبتدئ العروج
والمسير ؟)
مرسِلة اشاراتية الدلالة تعني شعور انسان هذا المكزمان العربي ( باستدعاء الاشتغال التفكيكي
على الفقرة 4 اعلاه ) ، شعوره باليأس من الخلاص وبُعد سبيل الانعتاق ( العروج ) من غربته الوجودية ،
ــ باسم عبد الكريم الفضلي العراقي ـــ
16 / 10/ 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق