ســـفرنا زمـــن مـــنهار دخـــان أحـــزان
---------------------------------------------
أخي ... الحنون بعد الذي حدث لا شيء يُنبئ بالتغيير هنا ،لا شيء يبدو لنا ،فَتَّشتُ ،لم أعثر على شيء ،سوى الأطلال ،رمادٌ ،اختفت رِمالٌ ،تناثرت فوق الهضاب ،لنستدل به على الحياة ،يتنبأنا ،بحدوث الأشياء
لا شيء يشرق ،كل في غروب ،محاصر مقهى الحي بالصياح ،صخب
وأصوات فوضى ،ودخان السكائر والنارجيلات ،يغزو أنفاسنا بلا استئذان
رجال يحرقون الوقت بالنرد ،وجدالهم في شيءٍ لا زال لا شيء ،منذ الميلاد آتي إلى هذا المكان ،أحصي أيام فصول حياتي ،أتأمل الماضي بشوكة الأحلام ،تغيرت المعالم والمواقع ،والنهر أضحى كئيباً عما ألفناه
كنا نلامسه بأجسامنا ،ونُسيّر فيه زوارق الورق ،ونجمع من شاطئهِ الأصداف ،كان هنا وهناك على الضفة ،أغلى الأصدقاء ،هاجروا ،قُتِلوا
اختطفوا ،توزعوا في كل اتجاه ،لم يعودوا ،لم يبقَ من الآثار ،إلاّ خِضر إلياس ،تُلوّح قبتهُ الخضراء ،للناس بالدعاء ،في مقهى الحي ،لا زلتُ، أسافر ،دون سفر ،في ملاعب طفولتي ،في شوارع الأسواق ،منتصف الهزيع ،فتحت نافذة غرفتي ،برائحة الأحزان ،قطفت النجوم المتدلية ،من قبة السماء ،تناثرت متهرئة ،ماتت في أول الليل ،زهور البستان ،أذابها الحزن المطبق ،شارع القرية المظلم ،يمتد... ويمتد ،إلى الأحزان... شوقاً
زمنٌ تنهارُ فيه الأشياء ،يتناسل فيه الصمت ،يتراكم فيه ضحايا الغباء وتتخافت فيه ومضات الإشراق في أحضان الصمت ،تضجرُ فيه الرغبات
في قريةٍ مغمّسةٍ بدماء الجراحات ،يشق عليَّ أن تُستعمَر قريتي أن أرى أهلها منكوباً ،قمحي ... بلحي ... تُملأُ بها السفن ،علينا أن ندويّ كزئير الأسد ،ندمر الحديد ،لتئّن الرياح مثل إنسان جريح ،لنقتلع عواصف الصحراء ،لا نصر بلا نزيف ،الشمس تشرق لا محال ،ولدتُ في الطريق
قرية بدون أرض ،صرتُ صُعلوكاً ،الأشجار بدون أوراق ،ينبغي أن يكون هناك طريق وشجر ،من هنا مرَّ الغرباء ،رمادُ أهلنا ،وجع المآذن ،وتأوهُ النواقيس،يتكاثر الغرباء ،يوقف الليل أفراسهُ ،وتضيعُ مفاتيح الصباح في دروب الكلمات وشعوذيات المتسلطين الممتطين خيول الهواءِ ،قريتنا لم تَعُد لنا! لا تمائم تعيدها ولا التعاويذ! ،نواقيس الكنائس خجلي وصوت المآذن أبح.. ،تذكرتُ أمر وفاتك فاحتواني وجهك الصبوح ،أتأمل ملامحك ،أهرع من سُباتي ،تحاصرني الأصوات والاضطراب يجتاحني ،دمعة تتأرجح في مقلتي ،مازالت دمعتي في محاجري ،وقفتُ على ضفة النهر أترقب بزوغ الشمسِ ،أرهقتني الأمنيات ،بزغت شمسي وسرعان ما اختفت في مياه النهر ،يا صديقي ترثيك وتبكيك حتى الطيور المهاجرة ،يحيرني إنك مُتَّ ،كلٌّ سألني عنك ،حتى الزهور أقنعهم إنك رحلت ،لم يصدقني أحد ،مرَّ الوقت ولن يرجع! ،كل يومٍ نرقد فوق الموت كأنه يجمّدُ أجسامنا ،في ذهولٍ استسلمنا ،قبل أن يتغير العالم ،الموتُ يفتك بالنهر ،ويرسم رجفته على الأشجارِ!.. ،قل لي : لماذا نروي زهرةَ الحب بالنار؟! يغنيها آذار الربيع اخضراراً ،ويُطعمنا الصيف لذيذ الثمار ،دربان مختلفان ،صديقان يفترقان ،الحياة باتت عصية ،أخشى من الغد أن أموت ،ينبغي أن أفهم ،لم تعد لي رغبة في الكلام ،عليَّ أن أختار ،الصمت ،أحب الصمت ،لا أعلم هل ماتت الكلمات بداخلي أم مت أنا ،يتسع جُرحي شوقاً ،وأتصور حزناً في الأفق ،أبحثُ عن فكرة الانتماء ،لا رغبة لي في الكلام ،عِفتّنا سوداء دلقت دواة الحبرِ الأسود ،مرضي المتوحش،يصارعني ،أطارد القاتل حتى أمسكتُ بنفسي ،قرَّرَ أن يطاردني ،أمسك بي ،فاكتشفتُ عفتي السوداء ،أمواجهم هُراء ،تتوالى على الشاطئ في طوفان ،تُحاصرُ الدروب! ضجيج مثقلةً بالأحزان ،تنوء بها الأرض ،تتوالى الموجات ،كطيورٍ أظلت دربها ،في الرِحَبِ لكن خوفاً آتٍ...
**********
المفرجي الحسيني
سفرنا زمن منهار دخان أحزان
العراق/بغداد
2/9/2020

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق