حـائر مـن أيـن يـأتي الســـحاب
----------------------------------------------
حاصروا الرماد، المعلنون، المتخفون ،لا يقدرون على مناظرة حادي العير ، راعي كلمات البيد، قدسيٌ في حدائه الجميل ،مؤود حدائه في كثبان الرمال ،لا استطيع التوغل في ينابيع حدائه، ولا من أعرفهم ، يستطيع تحطيم مزاميره ،لا أحد ،كسرت خواتم الاجداد ،دفنت معاولهم الصدأة في واحاتهم العتيقة استبدلت ثيابي بغبار الرمل ورائحتي أوراق الشجر، أظافري بالأسى، دموعي بماء الواحة نهضت مذعورا، طويل الذقن والاظافر الى من أنظر؟ أستدير لا أحد أخذت آثار أقدامي، وابتهاجاتي الأليمة وتعاويذ السلف لم أعد ، حين صعدت قمة التل أخذت كلماتي من الحجر، بكيت بكاء مريرا اهتزّت قمم الجبال، انتحبت الوديان غير أن البدو من أهلي، وقفوا بباب خيامهم يَذرون أحلامهم المحترقة ، والعذابات
صعدنا الى القمة ، هبطنا الى الوادي لكنا ما زلنا عند بداءاتنا ،شغوفون أن نلتقي ما لا يلتقي ،نجامل من لا يجامل ،نهمس من لا يهمس حين لم تكن للبيداء أسماء ،و الطرق غير سالكة كانت الجثث لا تعرف ، ممتدة على البصر أنشأنا طرقا وواحات وبوابات للشمس والقمر من دمائنا من ضعفنا
رتّلنا كلمات أناشيد الصحراء، وأمتد بصرنا صارت العصا عيون تشققت أقدامنا العارية، بالحصاة وكلمات الحداء، وتماثيل الصحراء نساند أنفسنا بأيدينا خوفا من شجرة أو صخرة ، بهيئة انسان أو من دخان نتجمع حولنا، حول أرواحنا نرقص هلعا رقصة الموت نسري في الصحراء ، تغدو بحرا تلالها وكثبانها ، صوارٍ وأشرعة ،نمازح بعضنا البعض
أبتعد قليلا ، أخرج من عذاباتي، وأنتحب تنازعت معهم ، أن قبورنا ، مهيأة مثوانا الابدي، والنواح يدّق الواحات ،فدع يا حادي العيس حديَك
مزهرا في وجهنا، في وحدتنا المضنية كنا يتامى وصلانا ،ضيعنا الآباء منذ صغرنا ،النعوش تحمل على الاكتاف ،أقول: هذا أبي وذاك جدي أقنع أبناء جلدتي ، قريتي أني يتيم وضيعت أبي منذ صغري...زرعوا، حصدوا، أخذوا قمحا، رحلوا ،أخذ الابناء ما تبقى، كبروا ، وشاخوا ،من أين يأتي السحاب؟ ينثر المطر قطراته، يفاجأ الارض الجدب
تتلألأ الخضرة، جنات، الوادي نهرا، الجبال ينابيع، فيرتاح الرمل، والتراب نُنَقّب بأيدينا، العارية، في كثبان الرمال، والادغال، تكتسي أصابعنا، الدماء، تتفجر الارض عشبا وأزهار، ترتج الجبال، تتطاير صخورها، شظايا نصعد، ننقب في السماء، بعيون مبصرة،
وأصابع، إزميليه تتفجر الغيوم ، بروقا، تسقط ، حمما لم يبق إلاّ التنقيب في أيدينا عقولنا، تسيح على أناملنا، اللزجة، المنتفخة نتقي، الكلام الغامض، والأسرار صارت ، التزامات، دمائنا وحدها ، بقيت
لَدِنة، مبهمة، في أجسامنا، لِتَلَوِنها المستمر تارة حمراء، وتارة بلون العشب، تحيرنا نعجز، نعاود التنقيب ، بأصابعنا الدامية لم نقتنع، نطلق ، عويل الارض، تسرع، تخضّر، شجرة وغابة ،أحبّ السحاب، المثقل بالمطر، حتى سحاب الصيف الباطل أحبّ مرابع الطفولة، أقصاها، أسقيها، من نار طفولتي أول غيوم الصيف، تمطر كل ما فيها، على وجه الارض، اليباب، نار الارض، تطفئها حطّت، على مهجتي، توهجت نثاث مطر ، يرويها ،المقبرة ،أضاءت، اخضرارا، حتى تلونت، أحجارها، تضيء الشواهد ، روحا، مثقلة بالجسد الممدد، ومنهكا من ثقل روحه،
لا خلاص للجسد من الروح، ولا خلاص للروح من الجسد ضوء المقبرة، أضاء أجسادا جميلة التهمها الموت، ومستحية، كالورقة المستحية، ملفوفة على نفسها أضيء وأنا الحيّ، فكيف هم أموات؟ يختلط الغصن ، بضياء الشمس، والجذر بالطين، عند أول يومه ، يورقه الماء تسافر النجوم، بالسماء القاحلة، ونجوم أخرى ، ذات شهب ، تفاجئ بالموت على الارض،
تغيب, تبرعم أخرى، لم يصدّها ، رحلة الليل، في النهار الدمث، أو الشمس المقدسة يزهو الغصن ، بعرائسه، وتيجانها، أدركت ، فراشاتها، تعانقت، استسلمت ، لِنبضها تدفأت الثلوج ،قطرات ندى أنار الليل، قمر،
أخرج الاعشاب ، خضراء أعان النخل، وأخرج أناتها تزوغ النجمة من عينيّ، تخطف، أبقى وحيدا بالبريق الميت وحيّ، تعلم الموت، شاهد لا يبرأ مني، قلبي يهددني بالهجر نجمتي ما زالت بعيدة، أرميها بدمي
تعلم الموت، روحي من سلالة نقية، قبة عالية ،غاب هلال الصبر، كان متيما بالعتمة سرٌ، بين بياض اليوم وسواده أقدّم اعتذارا، لارتجاف يومي لو أسكن النخيل تكفيني، تمنحني البهاء تذود عني وعنها، أذود عنها بدمي وتعبي أكون لهبا لها، أجعل الماء دموع نحيبها أهبط من اعاليها ، ونصعدها مثل الجبل نحملها كالملاك، تدّس في عروقنا، رحيقها وياقوتها تقفز فوق العشب الجميل، تحت الجبل العظيم ونلتف حول النار ، ترتّج حجارة المواقد تدّق ، تنبثق النيران من أحشائها نقفز في الهواء ، فوق رؤوسنا على اصابعنا، يهبط الجبل انحناء، تسري الكواكب سهلا ،تلوّح نجومها ، فنتبعها ونجري قمرنا ما زال مضمخ بالرماد أبصرت أهواء الذين مضوا استنجدوا بتلويحي، هذه خطانا أنا من أوحى اليها وأنا الذي ، أبعدت الكثبان عن دروب القوافل أخيرا خرجت مقتولا ،بإرادتي، ألوذ بنخلتي حائر، مبهوت الرؤى، كحيرة المهموم في حزنه أجوب بلواي، من طريق لآخر أبحث عن ذي يكشف، السر المغاب، بعلم محترف، أسأل من رفع السماء بغير عمد، وضع الكون الكبير المعتبر؟ من سيرّ الاجرام والنجوم؟ من أنزل الماء من المزن، وسيرّ الحديد في عباب البحر؟ الطير في الهواء، يغرد، أسئلة وأسئلة ، كثار، تخيفني ريب وشك، قال لي عالم:
الشمس تجري لِمستقر لها، والقمر بدر مكتمل، الليل يعقب النهار، والنهار يعقبه الليل، ما تبدّل شيء، ولا زاغ عن خطه، كل بأمر الخالق، الاحد ...
**********
المفرجي الحسيني
حائر من أين يأتي السحاب
العراق/بغداد
4/8/2020

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق