قصة قصيرة [خارطة سطو ] بقلم الاستاذ الأديب الروائي موسى غافل الشطري

. . ليست هناك تعليقات:
قصة قصيرة
القاص و الروائي المختلف
موسى غافل الشطري
خارطة سطو

كانت هناك في القرية حديقة غناء تحيط بقصر الشيخ . لا أحد يحزر ما فيها من أصناف الأشجار المثمرة . فهذا حكر على سيدة القصر المدللة ، التي اعتادت أن تتجول فيها و تقطف من ثمارها و تهدي لمن يخدمنها.أما ما تبقى فيجف في مكانه .
لكن الأشجار على مر السنين ، تمردت على اوامر الحَجْر ، و أبت إلاُ أن تتباهى بثمارها المحفزة للعاب و الاشتهاء ، فأطلت بحملها من فوق السياج العالي .
الرمان و التين و الطرنج و التكي والتفاح و الليمون و التمور كل في حينه . و كان يبدو للناظر ـ بالأخص لولدي (عبيد ) و(علاوي الحوم ) ـ ان حجم الثمار قد لاح شهياً ، و قد تدلى الرمان جراء ثقله ، و حان قطافه . فباتوا يفكرون و يتمنون ، أن يجازفوا في يوم ما بالتسلل في عمق الليل . و كانوا قد رصدوا : إن الطريق إلى الداخل ، لا يتم إلاّ عبر فجوة الساقية حين ينضب ماؤها . و كان التسلل محفوفاً بالمخاطر . فأبناء الشيخ لن يترددوا بإطلاق النار على من يتجرأ على اجتياز السياج .
وقفوا كالعادة على مسافة غير مرصودة ، و هم يمعنون النظر خلسة بالرمانات و التي بدت ناضجة ، تتلألأ حباتها من خلال قشرها الرقيق .
قال ابن عبيد الكبير :
ـ هل هناك من يستطيع الوصول إلى داخل الحديقة تحت جنح الظلام و يأتي بالرمان ؟
قال علاوي الحوم بحماس :
ـ أنا أستطيع .
قال ابن عبيد الكبيرهازئاً :
ـ أنت ؟؟ هه عندها .. ستسمع القرية بكاملها ضراطك .
قال علاوي الحوم متحدياً :
ـ لا.. أنا أستطيع و سوف تريان ؟ هل أنا جبان ؟ سأزحف بطريقة الأفعى ، و أدخل عبر فجوة الساقية بسهولة . هكذا... وراح يزحف على الأرض .
ـ و لكنك تحتاج الى من يساعدك .
ـ انتما . ما هي مساعدتكما ؟ عندما أتسلل داخل الحديقة .. فإن عليكما أن تراقبا جيداً . فإذا حصل و شاهدتما أحد أبناء الشيخ ، و هو يراقب من خارج السياج فعلى أحدكما أن يطلق صفيره لكي أكون على علم و أختبئ .
***
وافق الولدان على قرار علاوي الحوم . وعندما جن الظلام و كفت الأرجُل ، كانوا قد أخذوا كيساً كبيراً من أمهم ، التي أظهرت تخوفها من نيتهم ، رغم انها في الخفاء تحلم بمذاق الرمان .
***
اقترب الثلاثة من السياج . و تسلل علاوي الحوم زاحفاً عبر النهير ، من فجوة الساقية و معه الكيس .
تلطخ وجهه و ثوبه بطين الساقية بالكامل ، التي مازال بطنها مملوءاً بالماء و الطين .
تحرّى بنظره جيداً ، مخافة ان يوجد أحد . كان يهيمن على قلبه الخوف من هذا الصمت و الظلام الذي بدا أكثر عتمة مما في الخارج .
مسح الطين من فوق عينيه قال :
ـ طَلَعتُ أشبه بالسعلاة (2).
استوى على ركبتيه .. ورفع رأسه ليستطلع يمنة و يسرة و من أمام ، ثم التفت إلى سطح القصر ، و إلى علوالسياج . مخافة ان يراقب من هناك ، فالطقس صيف: إنه لا يستطيع أن يقفز من السياج لو أُجْبِرَ على ذلك. و بدا له كأنه قد انقطع عن القرية بكاملها .
ـ هل أعود ؟
لكن حبات الرمان قد تدلت و داعبت جبينه و أنفه .
لاحت له الحديقة مزدحمة بالأشجار أكثر مما كان يتصور . في حين هيمن عليها القصر العالي بسطوته ورهبته ، و عتمة جدرانه . فبقي علاوي الحوم محتاراً . من أين يبدأ ؟
ردد مع نفسه :
ـ إن عليّ أن أعمل بسرعة .
تلمّس الرمانات ، فبدت له إحداها رقيقة القشرة و ممتلئة . راودته الرغبة أن يتناول واحدة لكنه استثنى :
ـ إن عليّ أن لا أفرط بالوقت .
ثابر بقطف الثمار بسرعة و دون صوت ، و هو يلتصق بالشجيرة ، و يتحدث مع نفسه .
ـ آخ .... إنجرحت .. اشواكها مؤذية . ان عليّ أن أحْذر من أذاها . سأضع الكيس جانباً . و عليّ أن اقطف الرمان ، و أجمعه بشليلي . ثم أضعه بالكيس . هذه رمانة كبيرة . سأخبئها لأمي فْطَيمة . عمرها كله لم تذق طعم الرمان و لا الطرنج :
ـ كانت فْطَيمه تتصورهالطرنج شبيه بمذاق البطيخ ، هههههه بنت الجحش .أنا ذات يوم إلتقطت قشره و أكلته . كان لاذع الحرارة وفيه حموضة .
اقتطفها ، لكن الغصن تحطم و أصدر صوتاً عالياً ، فردد بخوف :

ـ خرا بعينك علاوي الحوم و عين امك . يالها من عرضة عرضتك يا اماه . ربما هناك من ينصت و أنا أفعل هذا . خرا بصفحة موتاك فْطيمه . حتى بهذه حظك نائم بالسباخ .
تحرك بهدوء حتى لا يصدر صوتاً مرة أخرى . و راح يتحدث مع نفسه :
ـ تريث يا ابن فطيمة الحوم ، تريث . قليلاً من التروي يا مطي . وعبئ الرمان في الكيس . كان عليك أن لا تترك صوت الأغصان يعلو و أنت تمر فيما بينها .
إلاّ انه شاهد أشجار الطرنج .
ـ عليك يا ابن فطيمة الحوم أن تتحرك سريعاً باتجاه الطرنج .
و امتدت ذراعاه نحو علو الشجرة و اقتطف الثمار ، رغم الجروح التي حدثت من اشواكها .
ـ مِن أين لي أن أعرف إن للطرنج أشواكاً . من أين لي أن أدرك ؟ من أبي فطيمة الخايس ؟ هيّا أيها الحوم .. أن عليك أن تضع الثمار في الكيس و تعود لتتوغل أكثر . يجب أن تكون كالحوم قادراً على اختطاف صيدك و تحلق بعيداً ، والآن عليك أن تتنقل بدون صوت ، و أن تمارس قطف الثمار و ان تحذر ممن يتربصون .
عثر متدحرجاً داخل ساقية التي أخفتها الأدغال و انمطل داخل المياه الراكدة و الطين ، فردد مع نفسه :
ـ عمى بعينك . إي و الله . كيف لم تشاهدها ؟
كان يرصد الباب الخلفي للقصر ، وكأنه قد أصدر صريراً لينفتح ، فخارت قواه ، و ترنَّح كأنه على أبواب أن يسقط ثانية .
ـ ما هذا ؟ أهو صرير الباب أم من داخل القصر أم من سطحه ؟ ألأفضل أن أعود للأشجار الكثيفة و القريبة من الساقية .لكي أفرِّغ ما في شليلي في الكيس . و يجب أن أحذر السقوط في ساقية . يبدو أن هنا الكثير من السواقي .كيف سمحت لنفسك يا ابن الخائبة بهذا ؟ ان الكيس يكاد أن يصعب عليّ تمريره من فجوة الساقية . المهم : إن عليّ أن لا أقلق كثيراً ، فلو كان هناك خطر لأطلقوا صفيرهم .
غير أنه فجأة لاحظ ـ من خلال اغصان شجيرات الرمان ـ إن رأساً ارتفع من خلف السياج و راح يتحرى في البستان . زحف مسرعاً ليلوذ تحت كثافة الشجيرات و قلبه يضطرب .
ـ إشتوت روح ابو فطيمه.. ربما هذا ابن الشيخ يراقب من خارج السياج . قد يكون سمع بصوت الغصن الذي تحطم . و بكى بصمت .
كرر الرأس تحرّيه من فوق السياج مرة ثانية و اختفى سريعاً .
ـ راح ألّزِمْ ، اللعنه على أبيك فطيمه ، لمن خلفتني ؟ راح الّزِمْ .. ما الذي خدعني ؟ لمَ لمْ يأتِ أحدهما بدلاً عني ؟
اختفى عميقاً و سحب الكيس بهدوء خلفه ، و غطّاه بالأغصان المتدلية . و مكث على هذه الحال .
فجأة .. سمع حفيفاً ، أدرك من بعد انها لوقع أقدام بين الأشجار تركض باتجاهه سريعاً ، و توقفت قدمان تكادان أن تمسّا رُكْبتيه ، و كادت عباءة امرأة أن تلامس وجهه .
كانت فتاة تتكلم راجية بصوت منخفض .
ـ ( مدير ) أنا خائفة .
سمع أيضاً صوت ( مدير ) إبن الشيخ يهمس للفتاة :
ـ لا تخافي . انا معك . هيّا ، اخلعي فوطتك واعطني قبلة هناك .
خلعت الفوطة و ردت عليه مترجيةً و هو يحتضنها :
ـ و تعطيني رمان؟
همس ابن فطيمه الحوم مع نفسه و هو يبكي بصمت :
ـ هاذي جمّاره بنت نوشه .
قالت جماره :
ـ فقط اعطني هذه المتدلية .
قال لها (مدير) هامساً :
ـ ليس الآن . سأعطيك كل الرمان فيما بعد . ألآن ينبغي أن نحذر من زوجة أبي . فأكيد لو التقتكِ و أنت تغادرين .. ستفتشك .
ـ ضعها في جيبك . فهي لا تفتشك .
ـ ...
كان يحتضنها و يقبلها عدة مرات ، و يمرر اصابعه إلى صدرها ، و يبسبس معها :
ـ ما هذا الصدر ؟ ما هذه الرائحة الطيبة ؟
ـ قرنفل .
ـ و ما هاتين الرمانتين المكتنزتين ؟ دعيني أشمّهما.
قالت :
ـ اعطني الرمانة المتدلية .
ـ جمّاره .. دعينا نجلس هنا قليلاً و نتمتع . هيا إجلسي ..  إجلسي تحت هذه الشجرة .
ـ لا فدوة  لا. دعنا نخرج . فقد تطرف الليل و ستفتقدني أمي .
***
  بينما كان (علاوي الحوم) قد فقد السيطرة على بوله و ساح تحت مقعده .
و بعد ان حرر (مدير) ضفائرها من شالها ، قضى معها وطره بالقبل و التلمس برمانتيها ، و تساءل :
ـ ما هذه الرائحة ؟ انها اشبه برائحة البول .
ضحكت وقالت :
ـ عندي أنا ؟
قال : 
ـ لا ، أقصد في الحديقة .
ثم أمر جمّاره :
ـ هيا .. تعالي خلفي سأتأكد من خلو الطريق و نخرج من الباب الخلفي .
قالت مترجية :
ـ و لكنك لم تعطني رمانة واحدة ولم تقل .. متى تتزوجني ؟
ـ أتزوجك حتماً .. و سأقول لك فيما بعد .
ـ إقسم لي بالإمام ؟ هيا..  إقسم على أنك ستتزوجني .
ـ كفى . حذار أن يسمعوك .
ابتعدت خطواتهما سريعاً ، و جر علاوي نفساً عميقاً و هو يذرف دموعه وقام بقطع الرمانة التي طلبتها (جُمّاره ) ووضعها في الكيس و هو يقول :
ـ آ....ه .. هذا هو الموت بعينه . قدم واحدة ، و تعثر ( جمّاره) بجسدي . اللعنة .. كيف تشمم البول ؟ كما إني كدت على أبواب أن أتغوّط في ثيابي .. فأمعائي ما زالت تخبط . كيف تركا هذه الحديقة بأكملها و جاءا إلى هنا؟ كيف ؟ حظ ابن فْطيمة أتى بهما . اين أنت يا فطيمة . تعالي و شاهدي إبنك الحمار .. كيف ورطاه ولدا عبيد و جعلاه يبول على ملابسه كالطفل .
***
 في خارج السياج كان ولدا (عبيد)  قد استبطآه كثيراً . ثم عادا مرة ثانية ليقتربا من السياج ، و جلس الكبير ليصعد الآخر مرة أخرى على كتفيه و يتحرى سريعاً عن صاحبهما . فهمس الكبير :
ـ هل شاهدته ؟
ـ لم أشاهده . 
 و بدا لهما : أنه قد يكون حدث له مكروهاً . و قررا أن يبتعدا أكثر و ينتظرا . 
كان الأمر قد اختلط على علاوي الحوم و تصور أن ذلك هو أيضاً ابن الشيخ . فربما ـ في هذا الوقت المتأخرـ لا مانع لديه أن يطلق النار عليه و يرديه قتيلاً.
***

 عاد  الأخوان و كررا عملية التسلق بجانب السياج للبحث عنه و ظنّ الحوم : إنه قد نُصب له كميناً خارج السياج .
ـ أين ذهبا فَرْخَيْ (1) عبيد ؟ لماذا لم يصفرا . أما كان الأجدى بهما أن ينفذا وعدهما ؟ ربما انهزما و تركاني وحيدا ؟ و استمر بالبكاء . 
ـ خير لي أن أجد منفذاً لأهرب بعمري و أترك الكيس .
و استمر بالبكاء :
 ـ مالعمل ؟ من أين أخرج ؟ ينبغي أن أختفي ، و لا أبدي أية حركة . فأية حركة خافتة ستؤدي إلى طلقة في الرأس . من الذي يتصور إن مدير و شمامه يتركان أماكن الحديقة كلها و يأتيان لإبن فطيمه ؟ أيضاً قد يأتي الحظ بأحد أولاد الشيخ ، مدير أو غيره ، و يمسك بي ، و يلعنون أبا فطيمة . إنني حتى لو تم الأمساك بي .. سأقول لهم : ـ أن فَرْخَيْ (عبيد) هما اللذان خدعاني و دفعا بي دفعاً لأنْفذ من ثقب الساقية ، لكي أكون في قلب الحديقة . أنا لا ألقي اللوم عن ما قمت به فقط على نفسي . ولدا عبيد هما اللذان دفعاني لهذا غصباً عني . عليّ أن أغير مكاني . فربما يرصدوني في هذا المكان .
و زحف مع كيسه في عمق الأدغال كاتماً أنفاسه لكي يراقب بإنصات كامل  أي صوت يصدر . 
فجأة اهتزت أغصان الشجيرات بحركة شديدة. ثم تبين له انه طير كان كامنا عن قرب و فرّ محلقاً  .
 بينما عاد الأخوان . ليصعد الصغير على كتفي الكبير،  و يتمعن بالبحث .
ردد علاوي الحوم با كياً . 
ـ ها هو ذا ، ها هو ابن الشيخ ما زال يبحث . إن أمعائي تخبط و أكاد أفعلها .
كان الرأس قد عاد متحرياً في كل جانب ، من فوق السياج . متستراً خلف الأغصان ، وتحت جنح الظلام ثم اختفى .
ـ انتهيت . إنتهى إبنك المُطِي يا فطيمه  . هذه هي نهايتي . ويلكِ يا أماه تعالي لابنك الجحش الذي ورطاه بهذه البَلِيّة . إنتهيت .. انتهيت ..انتهيت .
كان علاوي الحوم يمكث طويلاً باكياً ، و ينصب إذنيه لكي يلتقط ما يجري ، ثم فجأة لاح له الرأس يتحرى من فوق مكمنه تماماً. 
***
 من خارج السياج ، يئس الولدان، دون أن يستدلا على مصير صاحبهما .
مضى الوقت .. و علاوي الحوم مجهول المصير . و كان الخوف يستحوذ على قلبَيْ الأخوين ، فالمشكلة ستكون وبيلة عليهم جميعاً وعلى آبويهم .
قال الكبير و هو يقتله القلق :
ـ أين ولّى ؟ دخيلك يا إمامي يا حاضر الشِدّات ، خلصنا من هذه البليّة . أريدها من شاربك يا حاضر الشدّات .
 و عندما فقدا الأمل عادا أدراجهما إلى البيت ، و ظلا في حيرة .. ماذا حدث ؟ هل أمسكوا به . كان الإثنان قد قرفصا في ربضة الدار من الخارج ، و ظلا يفكران بالأمر .
قال الكبير لأخيه :
ـ إنه هو الذي أبدى رغبته . و لم يدر ببالنا أية فكرة للسطو . كنّا نتمنى فقط ان نحصل على رمانة متدلية . أليس  صحيحا؟ 
كان الكبير .. يريد من أخيه أن يؤيده .
جلس الإثنان في ربضة باب الدار ، قال الكبير :
ـ اتعرف ماذا تصنع أمي لو درت ماذا جرى لإبن فطيمة ؟ لا تقل أي كلام عنه. لو علم والدنا : فأي مصيبة ستحل ؟ نهضا و أطبقا لوح الباب ، ثم دخلا للكوخ .
نظرت إليهما الأم متوجسة :
ـ أين الفرخ ؟
قال الكبير متلعثماً  :
ـ تعطل و لا ندري .
خرطت خديها :
ـ كيف لا تدري ؟ ياع.. ياع .. ياع . الفلك طرّك و طر الخَلَّفَك. أين الفرخ ؟ هل أمسكوأ به ؟ لو حدث ذلك .. أتعرفان ما الذي يحدث لأبيكما المقرود(2) ؟ ما الذي أعمله الآن؟
الشيخ شدّ ( بَرشْان) لثلاثة أيام بكاملها على شبة المضيف و كَسَّر الخيزران على جسده ، وجعل بوله و شماطه تحت قدميه ، لأنه أغلق ساقية الماء عن الحديقة . ما الذي سيفعله مع ابيكما المقرود ، و أنتما تداهمان حديقة قصر ؟
ضربت إبنيها بمحراث التنور ، و أخرجتهما إلى ربعة البيت .
ظلّت تلطم على وجهها و تولْول :
ـ ويه .. ويه .. ويه . بِأيّة مصيبة أوقعتمونا يا أبناء الفاجرة ؟ أنظروا، إنظروا ، أترون إني أبول على ثوبي يا أبناء العاهرة . 
منذ أن رافقتما إبن المقطومه فَطُّومَة تصخّم وجهي ووجه أبيكما.
نادت عليهما :
ـ تعالا هنا .أين تركتما الفرخ ؟ أتعرفان ماذا يحدث يا أبناء الفاجرة ؟ سيجيؤون و يفعلون بأبيكما كما فعلا ببرشان.
فجأة اندفعت لوح باب الحوش بقوة و هتفت الأم :
ـ جاءوا ...
***
 اجتاز ابن فطيمه الباب ،و هتف ابنها الكبير :
ـ إبن فطيمه . جاء ابن فطيمه و معه الكيس .
دخل إلى الكوخ .طرح الكيس .. بدا على ضوء ذبالة اللمبة  ملوث الوجه و الملابس بالطين . لا يبدو من  وجهه سوى بياض أسنانه و عينيه  .
أخذت الأم الكيس و دمغته على رأسه :
ـ فلك طرّ افطيمة على هاي الخلفة . 
قال :
: خاله لا تخافين . ألا تعرفين الحوم ؟  أتيت لك أنت و فطيمة بالطرنج و الرمان .
قالت :
ـ طرنجة بعينك و عين امك .
قال :
، سأذوقك الطرنج لأول مرة . 
وضعته الأم في السدانة(3)  و أغلقتها .
قالت له :
ـ فلك طرك و طرّ امك .. هل شاهدك أحد ؟
ـ أتيت بالنهير . لم اترك لأحد أن يشاهدني . و قلت لن أعود مالم آتيك بالطرنج . لك انت خصوصاً و لأمي . عمرك لم تعرفي ماهو الطرنج صحيح؟
قال له الكبير :
ـ أين كنت و نحن متنا من الانتظار ؟ ما هذا الطين و هذه الرائحة ؟ هل بلت قي ثوبك ؟
قال و هو يسب و يشتم :
ـ لقد بِلْتُ . هل أنا في حفلة راقصة ؟ أم ذهبت لحلق الموت ؟ سأقول لكم فيما لماذا بلت. كما إني خفتُ من أبناء الشيخ وهم يراقبوني لعدة مرات من خارج السياج ؟. كان يطل احدهم برأسه عدة مرات بحثاً عني لآن الغصن الذي انكسر أصدر صوتاً فسمعوه . أين كنتما ؟ لماذا لم يصفرأحدكما؟
اغتصب الكبيرابتسامة دون ان يضحك و قال :
ـ الذي يطل برأسه هو أخي أيها الجحش . 
قال علاوي الحوم :
ـ أنتما ؟؟ّ!! عمى بعيني و عين امي .
ـ  قلقنا عليك لأنك تأخرت كثيراً. هيا .. إخرج أمامنا لنذهب للشط لكي تغتسل و تشطف ثوبك و لا تجلس و أنت نجس .
قال علاوي : 
ـ أيتها الخالة كلي الطرنج و ادفني قشوره واقرئي الفاتحة على أبي فطيمه . إياك أن تلقي بالقشور على الأرض .
أما أنا فسأغتسل و أعود لأروي لكم حكاية كبيرة شاهدتها . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فرخ : مرادفة ريفية تُطلق على الأطفال و الصبيان في الريف بدل مفردة ولد .
(2) سعلاة
(3) لقب بالحوم لأنه تعود أن يسرق فراخ الدجاج من بيوت القرويين والبطيخ و الرقي  مما يرزعه افراد القرية . .
(4) مقرود : مصاب جسده بحشرة القراد
(5) السدانة وعاء طيني تحفظ في جوفه بذور الحنطة و الشعير .



ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

3efrit blogger


أنا أبنك ياعراق وعاشگك حد الجنون لو تخون الدنيا كلها لا تظن أبنك يخون . أنا عــراقـي

تابعونا على الفيس بوك


مؤسسة السياب الإليكترونية تجمع ثقافي عربي بلا حدود

هل تعلمين .. وأنا أبحثُ عنّي ؟! كنتِ هنا فأكتفيتُ بأنكِ امرأتي التي حلمتُ بها لأرتديها قصيدة وألوّنها بالحروف . منى الصرّاف / العراق

# إبتسم .. الدنيا متسوه - ما إجتمع أربعة رجال بمكان واحد إلا وكانت النار وراء أفعالهم ! وما إجتمعت ثلاثة نساء بمكان آخر إلا وأحرقنّ الرابعة الغائبة ! منى الصرّاف / العراق

مؤسسة السياب للثقافة والآداب

مؤسسة السياب للثقافة والآداب

كل عام والمرأة اينما كانت بالف خير انتم نحن .. بعيدا عن فوضى الهويات .. نسكن الارض نفسها ونتنفس الهواء ذاته انه التعايش الانساني المشترك .. تجاوزنا حاجز الثقافة واللغة واسسنا لغة الجمال .. ( بقليل من الطين وكثير من الحب هكذا تصنع الاوطان ) منى الصرّاف / العراق

من منّا حين عجزت أدواته لم يحلم بفانوس سحريّ أو بساط طائر لتحقيق أمنياته ليصحو بعد ذلك لعيش قسوة الحياة ، كيف باستطاعتنا الدخول في معركة بمفردنا نعرف سلفا سنخرج منها بخسارة كبيرة ، حتى لو امتلكنا الشّجاعة لمطاردة أحلامنا ، فكيف نصل الهدف دون معرفة أدواته ، فللشجاعة أيضا أدواتها ، حين تكون اليد خالية فأحلامنا سرعان ما تذبل ، أمّا البطولة فهي تحدث فقط ! دون التخطيط لها . منى الصرّاف / العراق من رواية ( للعشق جناحان من نار )

روايتي ( بتوقيت بغداد ) وفي اول طرح لها في بغداد بعد مشاركتها في العديد من المعارض الدولية الصادرة عن دار النخبة في جمهورية مصر العربية ومجموعتي القصصية ( للخوف ظل طويل ) في طبعتها الثانية الصادرة عن دار كيوان في سوريا ستجدونها في بغداد - شارع المتنبي - مجمع الميالي في دار ومكتبة ... ( الكا ) للنشر وبامكان الدار ايصالها لاي شخص يرغب من المحافظات العراقية حين الاتصال بهاتفهم المعلن على واجهتها . الكاتبة والشاعرة منى الصراف

مجلة السياب الليكترونية / قــسم الارشيف

آخر المشاركات على موقعنا

لـــوجـه ابي بقلم الاستاذ الأديب جاسم العبيدي

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

الصفحة الرئيسية

مـن أجـل سـلامـتـك .... بـس خـليـك بالـبيت 🙆🙋🙇👫

مـن أجـل سـلامـتـك .... بـس خـليـك بالـبيت        🙆🙋🙇👫
نصائح للجميع حول الوقاية من جائحة كورونا: ١- أهمية التباعد الإجتماعي كون فيروس كورونا لم يثبت الى اليوم انتقاله عبر الهواء لذا خليك بالبيت وعند اختلاطك بالناس إحرص ان تكون المسافة بينك وبين الاخرين من متر ونص الى مترين . ٢- غسل اليدين بالماء والصابون بإستمرار ولمدة 40 ثانية عند خروجك من الأسواق والأماكن العامة وتجب ان لا تلمس وجهك أثناء وجودك بالأماكن العامة ، ويفضل عند تواجدك بالأماكن العامة أن ترتدي قفازات عند دخولك البيت يجب وإزالتها . ٣- لست بحاجة إلى ارتداء الكمام الطبي إلا اذا كنت تعاني من العطس او عندك شكوك أنك مصاب بفيروس كورونا ، ولكن يفضل إرتدائها عندما تكون في الأسواق والأماكن العامة حتى تتجنب لمس وجهك دون إدراكك على أن يتم رميها والتخلص منها قبل دخولك البيت وانتبه أن تكون إزالتها عن الوجه بالطريقة الصحيحة حتى تتجنب ملامسة اليد لها وذلك عن طريق رفع الخيط المتصل بالأذن اليسرى بإستخدام اليد اليمنى وسحبها باتجاه الإذن اليمنى أو العكس بالعكس دون ملامسة الوجة الخارجي للكمامة. ٤- إحرص على غسل مقابض أبواب البيت الرئيسية بالماء والصابون عند دخول أي فرد من أفراد العائلة.

About the site to your language

مساحة إعلانية

شروط النشر في مجموعتنا على الفيس بوك

1- يمنع منعاً باتاً مشاركة المنشورات والفديوات في النشر ولوحظ بعض المسؤولين والمشرفين بممارسة هذة الممارسه الخاطئة للاسف يمنع منعاً باتاً منح الموافقات للمنشورات الطائفية والتي فيها تجاوزعلى الذات الالهية والرموز الدينية والتاريخية ومنشورات الاعلانات التجارية 2- يمنع نشر بطاقات التهنئة للمناسبات الدينية والوطنية وتحية الصباح والمساء الامن قبل رئيس مجلس الادارة ومدير التحرير للمجلة ومن ينوبهما فقط 3 -تحدد المنشورة بمنشور واحد فقط للعضوا في اليوم اعتباراً من هذا اليوم1تموز2017 واثنين للمسؤولين والمشرفين تقديراً لجهودهم على الجميع الالتزام بما ورد اعلاه مع الشكر والتقدير للجميع . الاستاذ الأديب الشاعر ماجد محمد طلال السوداني مستشار مؤسسة مؤسسة السياب اليكترونية للادب والثقافة والمشرف الاداري العام للمؤسسة والمسؤول عن تنفيذ سياستها

مساحة إعلانية

مؤسسة السياب للثقافة والآداب للمزيد من المعلومات والاستفسار الإتصال بنا على الهاتف مراعاة الرمز البلد(العراق) 00964 07803776116

تــــنويــة

كاريكاتير اليوم

كاريكاتير اليوم