كنت في السابعة عشر من عمري حين هم والدي رحمه الله أن يضربني بسبب اختلاف في الرأي بيني و بينه
- لم أكن أدرك يومها أن رأي الكبير هو الأصوب و الأصح و ذلك بحكم خبرته في الحياة و التجارب التي مر بها -
هربت من وجهه مسرعا، و صفقت الباب خلفي و تواريت
شكوت أمري إلى كل من صديقي أحمد - يرحمه الله - و صديقي أسامة الذي كانت بيني و بينه إلفة و مودة
فكان أحمد أن قال لي: ولا يهمك، نحن في صيف، و يمكننا أن نسهر و ننام عندنا على سطح البناية
و طبعا، لم أتردد في قبول الفكرة ﻷنني كنت بحاجة إلى مأوى
و بالفعل قبل أن ينتهي بنا الأمر إلى سطح البناية كنا قد حضرنا مسرحية/ لو مات زوجي/
و بما أننا نحن الأصدقاء كنا نحبو على مدارج الثقافة، لذا خرجنا من المسرح و شرعنا نناقش المسرحية و كلنا إحساس بأننا مثقفون!!
و انقضت تلك الليلة و أصبح بي الصباح بعيدا عن البيت - من غير أن أشعر بفداحة تصرفي إذ خرجت من البيت بتلك الطريقة الرعناء!!
ودعت أصدقائي متوجها إلى عملي، حيث كنت أيام الصيف أبيع على بسطة لي بالقرب من عبارة سينما الكندي، اكسسوارات شبابية من بين نظارات و قداحات و سلاسل و علاقات مفاتيح و غير ذلك
لكنها لم تكد الساعة تشير إلى العاشرة صباحا حتى لاحت لي من بعيد أمي - يرحمها الله - تتلفت يمنة و يسرة و كأنها تبحث عني، حتى أنها حين رأتني تهللت أساريرها و كأنما سكب عليها برد اليقين، لكنها رغم صلابتها التي عهدتها فيها لم تتمالك أن ذرفت الدموع غزيرة و هي تلومني على ما فعلت، و ذكرت لي أنها لم يغمض لها جفن تلك الليلة، و طلبت مني أن أعود مساء إلى البيت، و أنها ستكلم أبي في شأني
●○•
في الذكرى الثانية لوفاتك والدتي أقول: يرحمك الله و يرحم والدي، و أقول: لو رأيتني كم ألوم نفسي اليوم أنني كنت آنذاك أتصرف تلك التصرفات الرعناء من غير أن أعرف حقيقة قلب الأم.
و في الذكرى الثانية لوفاتك والدتي أذكر فضيلة من فضائلك الرائعة في تربيتنا و لم نكن ندرك حقيقة تلك الفضيلة حتى كبرنا و غدونا في محل مسؤولية أهل و أسرة
يرحمك الله والدتي، كم كنت تكرهين من الرجل أن يكشف عورته الحسية و المعنوية أمام أهله و أبنائه و غيرهم و سواهم
و ها أنا اليوم أكره أن أكشف عورتي و كافة عيوبي أمام الآخرين فضلا عن أن أتباهى بفعلة مشينة كهذه
- وكتب من حلب: يحيى محمد سمونة -

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق