قصة قصيرة
(غضبة)
كم كانت تشعر بالسرور والغبطة حين تستغلّ ذلك الباص الخشبيّ الذي سار -حديثاً- في شوارع مدينتها، فهو يبدو كعروس بلمسات جميلة زاهية، كان الناس فرحين به كثيراً، وهي في طريقها لرؤية ابنتها؛ لم تنسَ أن تأخذ معها بعض الأكلات التي تبدع في طبخها مثل: (الفسنجون) وهو طعام يتكوّن من الدجاج ودبس الرمّان والجوز، وبعض الحلويّات التي اشتهرت بها بيوتاتهم وهي: (السمسميّة والساهون والچقچق قدر والدهين) لتسعد به أحفادها. كانت تلك زيارتها الشهريّة المعتادة لابنتها التي تسكن في مدينة أخرى. عند وصولها ومع لحظة دخولها بيت ابنتها، صُدِمت من هول ما رأت، فقد وجدت ابنتها الغادة الهيفاء التي تسرّ الناظرين وهي بملابس شبه عارية وشفّافة، وعيناها تشعّان بريقاً وأمامها رجل غريب تسمع حواره وتراقب حركاته بلهفة وابتسامات متبادلة بينهما، سقطت سلّة المأكولات التي تحملها أرضاً، أصابها صراع مرير بين الشكّ واليقين، تفاجأت البنت بأمّها أمامها، نهضت لاحتضانها، لكنها تلقّت صفعة رنّانة على خدّها الورديّ الغضّ ليصبح أكثر جمالاً وجاذبيّة واحمراراً، وثورة من غضب والدتها التي فقدت السيطرة على انفعالها، وبصوت مرتجف صارخ ممتلئ باللوعة طلبت من ابنتها تفسيراً لما تراه..
-أخبريني من هذا الرجل؟!..
-أمّي.. هو ليس رجلاً!
-بصوت أكثر حدّة-: تبّاً لكِ.. كيف لا يكون رجلاً وشاربه يصل عنان السماء؟!.. هل من المعقول أن أُكذّب عينيَّ وأصدقكِ؟!..
زاد غضبها وعصبيّتها وهي تردّد: انظري إليه إنَّه لا يخجل ولا يرفع عينيه عنكِ.
-أرجوكِ أمّي.. غضبكِ أفقدكِ عقلك،ِ صدّقيني يا أمّي أنت واهمة، هو ليس رجلاً.
استشاطت الأمّ غضباً وخرجت من البيت وهي تتوعدّها بإبلاغ أخيها الذي يعمل بالقرب من البيت في محلّ بقالة صغير، ذهبت إليه ودمها يغلي في العروق، وخفقان شديد في دقّات قلبها، وقدماها ترتجفان كأنّهما سعفتا نخيل في يوم عاصف. أخبرت ابنها الشابّ بما شاهدته من أخته، تحوّل هذا الحمل الوديع ذئباً مفترساً والغضب والغيرة تتفجّران في عينيه، حمل بيده قضيباً حديديّاً وذهب مسرعاً مع أمّه العجوز إلى بيت أخته، دخل الدار وهو يصرخ.. أين هو هذا الرجل؟؟؟.
هربت شقيقته من أمامه وهي ترتجف من شدّة الخوف، أخبرته أن لا رجل في البيت، حاول الإمساك بها ورفع قضيبه الحديديّ وأمّه تنظر إليه باستغراب، فقد كان الرجل أمامه فكيف لا يراه؟!!! ويصرخ أين هو؟! أخبرته أنّه أمامه، نظر إلى أمّه ونظرة أخرى إلى شقيقته، سقط القضيب من قبضته ثمّ سقط أرضاً وهو منهار و يتمتم بحروف بالكاد خرجت من بين شفتيه المتيبّستين..
– تبّاً.. هذا ليس رجلاً .. ليس رجلاً.. سحقاً.. كنت على وشك أن أقتل أختي، أصابت أمّه الدهشة والاستغراب وأخذت تصرخ بصوت عالٍ..
– من هذا إذن بالله عليكم؟!.. هل تقبل رجولتك أن يكون بيت أختك مباحاً لكلّ من هبّ ودب؟؟!!!َّ، سأخرج من الدار لأبلغ أخاك الأكبر بما بدر منك، لأنك أصبحت لا تغار على أهل بيتك فلا خير فيك. أخذ ولدها يتوسّل إليها بأن تتمهّل..
–أرجوكِ يا أمّي.. إنَّه -والله وبحقّ الكون- ليس رجلاً.. إنَّه التلفاز يا أمٍي.. وهذا الرجل يسمّى مذيع التلفاز.
...............................
منى الصرّاف/ العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق