لَمْ تَعُدْ لِلْبَدْلَةِ هَيْبَةٌ // بقلم الأستاذة الكاتبة هند العميد/العراق

. . ليست هناك تعليقات:

لَمْ تَعُدْ لِلْبَدْلَةِ هَيْبَةٌ

    
شهِدت تلك الطرقات النائية، خطوات رجل ثري، يحسبُ لوقع قدمه ألفاً خوف اتساخ حذائه الثمين، كان يرمي ببصره ذات اليمين وذات الشمال، وهو ينتقم من ذكرياته بماركة مايرتديه من ملابس وإكسسوارات باهضة الثمن، اقترنت رائحة عطره الفواح بصورٍ من ذاكرته، وبصقيعٌ لايرحم، ومياه أمطار كانت تُحيط بجسدهِ الهزيل المتوسد للحجر، أوراق وأكياس متطايرة، حصى وقطع إسمنت ملأت الشارع النائي، مشهد كئيب لايمتُ للحياة بصلة، كان ذلك روتين الشاب المرتمي بين أحضان الضياع في ما مضى، حين سطا عمه على كلِ أملاكه بعد وفاة والديه بحادث، وهو لايزال ابن السابعة من عمرهِ،
لم يرأف بفقر حاله، أو يسأل عن مصيره أحد. لم يحمه من خبايا الطرقات إلا ذلك الكلب السائب الذي كان يلقي بجسدهِ المتعب من الجوع بجانبه، يدافع عنه بكلِ ضراوة وكأنه موصى عليه دون وصيّ. وفي كلِ مرة يعود بجروحٍ بليغة عَقبَ كل حرب ضارية ضد الكلاب المهاجمة لصديقه. راضٍ بفُتات الخبز المُقتسم مُناصفةً ورفيقه الباحث بين النفايات، أو حين يحسن عليهم أحد المارةِ بلقمة طعام نظيفة، كانت أذنه صماء عن نصائح الناس بأن يُغير من واقع حاله؛ بالبحث عن عمل ما، أو سكن لكونه شابا في مُقتبل العمر، ويمتلك من الصحةِ مايجنبه التسول، مبرراته وأعذاره لنفسه كانت المُنزلق الذي يجذبه إلى القاع كل ما فَكر ان يستمع لنصيحة أحدهم.
وفي صبيحة أحد الأيام التي تَميزت عن غيرها،
حين راحت يدٌ تهز كتف الشاب، وصوت جهور يُصاحبها وهو ينادي بصوت يبتغي الإيقاظ، سالم، سالم !
فتح الشاب عينيه بتململ والرؤية ضبابية لاتفصح عن صاحب الصوت، ومن الذي يناديه باسمه الذي بالكاد يتذكره، لفقره لقريب أو صديق يسميه به ؟
اضطر أن ينهض كي يبعد الكلب الذي كاد ينقض على الرجل مدافعاً عن صديقه، وهو يسأله مُستغربا:
-"من أنت؟ وماذا تُريد" ؟!
ردَّ الرجُل باسما:
- "أنا احد أقرباء أبيك، وجئتُ كيّ أخبرك بأن عمك توفى، وأنت الوريث الوحيد له. أتُريد أن تأتي معي أم تبقى مع صديقك الوفي هذا"؟
قالها وهو مبتسم لضراوة الصديق في الدفاع عن صديقه رغم الوهن البادي على محياه. لم تسعه الأرض بما رحُبت حين سمع المتسول من أخبار  كالأحلام ، وراح يُلملم حاجياته المتسخة متهيئاً للعبور إلى الحياة الأخرى. وبعد سنهٍ وأكثر، قاطع انتشاءه من تغيير حاله، نباح ذلك الكلب المهرول نحوه، والذي لم ينسَ صاحبه وامتننانه للذي أطعمه فتات خبزٍ بالكادِ سدَ رمق جوعه يوما، ليعتلي صدره واقفاً لاهثاً يهز ذيله فرحاً بمن أتى، فَزِعَ سالم بما أصابه من بللٍ واتساخ من اعتلاء الكلب له، بردةِ فعلٍ آنية غير محسوب لها، أخرجَ من جنبهِ سلاحه ليرديه قتيلاً جراء مافعل ببدلتهِ الثمينة وهو يلعن ويسب فرحته. كان صوت الرصاصةِ مدوياً بأرجاء كل زاوية ضمت ذكراهم سوياً، واخترقت معنى الوفاء للروح التي قدمت حتى اخر لحظة عطاء. التفت الشاب المتباهي بحالهِ بعد التغيير، ولم يزل لسانه يسب بالشتائم، وسيل من اللعنات حتى أوقفتهُ أنيابٌ متلألئة بفعل الجوع والانتظار الطويل. كلابٌ سائبة، شرسة، جائعة ، اجتمعت اليوم بعد أن أُزيحَ عن طريقهم الكلب المُدافع عن صديقه في كل مرة، لتفوز كثرتهم على سلاحهِ، ولم تعد للبدلة هيبة.

٢٠١٨/١١/٢٧
هنـــد العميـــد/ العـــراق.

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

3efrit blogger


أنا أبنك ياعراق وعاشگك حد الجنون لو تخون الدنيا كلها لا تظن أبنك يخون . أنا عــراقـي

تابعونا على الفيس بوك


مؤسسة السياب الإليكترونية تجمع ثقافي عربي بلا حدود

هل تعلمين .. وأنا أبحثُ عنّي ؟! كنتِ هنا فأكتفيتُ بأنكِ امرأتي التي حلمتُ بها لأرتديها قصيدة وألوّنها بالحروف . منى الصرّاف / العراق

# إبتسم .. الدنيا متسوه - ما إجتمع أربعة رجال بمكان واحد إلا وكانت النار وراء أفعالهم ! وما إجتمعت ثلاثة نساء بمكان آخر إلا وأحرقنّ الرابعة الغائبة ! منى الصرّاف / العراق

مؤسسة السياب للثقافة والآداب

مؤسسة السياب للثقافة والآداب

كل عام والمرأة اينما كانت بالف خير انتم نحن .. بعيدا عن فوضى الهويات .. نسكن الارض نفسها ونتنفس الهواء ذاته انه التعايش الانساني المشترك .. تجاوزنا حاجز الثقافة واللغة واسسنا لغة الجمال .. ( بقليل من الطين وكثير من الحب هكذا تصنع الاوطان ) منى الصرّاف / العراق

من منّا حين عجزت أدواته لم يحلم بفانوس سحريّ أو بساط طائر لتحقيق أمنياته ليصحو بعد ذلك لعيش قسوة الحياة ، كيف باستطاعتنا الدخول في معركة بمفردنا نعرف سلفا سنخرج منها بخسارة كبيرة ، حتى لو امتلكنا الشّجاعة لمطاردة أحلامنا ، فكيف نصل الهدف دون معرفة أدواته ، فللشجاعة أيضا أدواتها ، حين تكون اليد خالية فأحلامنا سرعان ما تذبل ، أمّا البطولة فهي تحدث فقط ! دون التخطيط لها . منى الصرّاف / العراق من رواية ( للعشق جناحان من نار )

روايتي ( بتوقيت بغداد ) وفي اول طرح لها في بغداد بعد مشاركتها في العديد من المعارض الدولية الصادرة عن دار النخبة في جمهورية مصر العربية ومجموعتي القصصية ( للخوف ظل طويل ) في طبعتها الثانية الصادرة عن دار كيوان في سوريا ستجدونها في بغداد - شارع المتنبي - مجمع الميالي في دار ومكتبة ... ( الكا ) للنشر وبامكان الدار ايصالها لاي شخص يرغب من المحافظات العراقية حين الاتصال بهاتفهم المعلن على واجهتها . الكاتبة والشاعرة منى الصراف

مجلة السياب الليكترونية / قــسم الارشيف

آخر المشاركات على موقعنا

لـــوجـه ابي بقلم الاستاذ الأديب جاسم العبيدي

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

الصفحة الرئيسية

مـن أجـل سـلامـتـك .... بـس خـليـك بالـبيت 🙆🙋🙇👫

مـن أجـل سـلامـتـك .... بـس خـليـك بالـبيت        🙆🙋🙇👫
نصائح للجميع حول الوقاية من جائحة كورونا: ١- أهمية التباعد الإجتماعي كون فيروس كورونا لم يثبت الى اليوم انتقاله عبر الهواء لذا خليك بالبيت وعند اختلاطك بالناس إحرص ان تكون المسافة بينك وبين الاخرين من متر ونص الى مترين . ٢- غسل اليدين بالماء والصابون بإستمرار ولمدة 40 ثانية عند خروجك من الأسواق والأماكن العامة وتجب ان لا تلمس وجهك أثناء وجودك بالأماكن العامة ، ويفضل عند تواجدك بالأماكن العامة أن ترتدي قفازات عند دخولك البيت يجب وإزالتها . ٣- لست بحاجة إلى ارتداء الكمام الطبي إلا اذا كنت تعاني من العطس او عندك شكوك أنك مصاب بفيروس كورونا ، ولكن يفضل إرتدائها عندما تكون في الأسواق والأماكن العامة حتى تتجنب لمس وجهك دون إدراكك على أن يتم رميها والتخلص منها قبل دخولك البيت وانتبه أن تكون إزالتها عن الوجه بالطريقة الصحيحة حتى تتجنب ملامسة اليد لها وذلك عن طريق رفع الخيط المتصل بالأذن اليسرى بإستخدام اليد اليمنى وسحبها باتجاه الإذن اليمنى أو العكس بالعكس دون ملامسة الوجة الخارجي للكمامة. ٤- إحرص على غسل مقابض أبواب البيت الرئيسية بالماء والصابون عند دخول أي فرد من أفراد العائلة.

About the site to your language

مساحة إعلانية

شروط النشر في مجموعتنا على الفيس بوك

1- يمنع منعاً باتاً مشاركة المنشورات والفديوات في النشر ولوحظ بعض المسؤولين والمشرفين بممارسة هذة الممارسه الخاطئة للاسف يمنع منعاً باتاً منح الموافقات للمنشورات الطائفية والتي فيها تجاوزعلى الذات الالهية والرموز الدينية والتاريخية ومنشورات الاعلانات التجارية 2- يمنع نشر بطاقات التهنئة للمناسبات الدينية والوطنية وتحية الصباح والمساء الامن قبل رئيس مجلس الادارة ومدير التحرير للمجلة ومن ينوبهما فقط 3 -تحدد المنشورة بمنشور واحد فقط للعضوا في اليوم اعتباراً من هذا اليوم1تموز2017 واثنين للمسؤولين والمشرفين تقديراً لجهودهم على الجميع الالتزام بما ورد اعلاه مع الشكر والتقدير للجميع . الاستاذ الأديب الشاعر ماجد محمد طلال السوداني مستشار مؤسسة مؤسسة السياب اليكترونية للادب والثقافة والمشرف الاداري العام للمؤسسة والمسؤول عن تنفيذ سياستها

مساحة إعلانية

مؤسسة السياب للثقافة والآداب للمزيد من المعلومات والاستفسار الإتصال بنا على الهاتف مراعاة الرمز البلد(العراق) 00964 07803776116

تــــنويــة

كاريكاتير اليوم

كاريكاتير اليوم