قراءة بقلم الناقد محمد هشام الشماط / سوريا
( رواية للعشق جناحان من نار )
الحبّ عند منى الصراف في معناه العميق والبعيد ، عطاء روحيّ وجسدي .
والذين يعرفون الحبّ بهذا المعنى ويعملون به ضمن هذا الإطار ؛ هم الذين يعيشونه حقّا ، ويتمتّعون بسمفونية حياتهم .
ولكنّه من غير المعقول أن تدور رواية كاملة من بدايتها وحتى نهايتها تعبّر عن فلسفة الحب في الحياة ، والكلام فيها كلّه يدور عن الحبّ ؛ لانه يحتاج تجربة غنيّة ، وفكرا متدفقا ، وثروة لغوية مفعمة حبّا ، وهذا ما أبدعت فيه الصراف وتألقت .
فكيف تناولت الحبّ في هذه الرواية !
تفتق خيالها في تداعيات إنسانية جعلت نفسها فيها محققا متتبعا لحالتي حبّ من عاشقين لأنثى واحدة .. عن فرضيات لأماكن اربعة عجيبة غريبة لا تخطر في بال ، وفي حالات معيشية بين الحبيبين ، أو بين الحبيب وما يمكن أن يُكمِل أحداث الرّواية لتصل في النّهاية إلى غايتها في تحقيق فكرتها . هذا الخيال الخصب عند منى الصراف اختارت فيه للحديث عن الحبّ صحراء جرداء قاحلة ؛ لا يخضرّ فيها سوى كلام عذب عن الحبّ بين حبيبة واقعة في جبّ ( بئر ) وحبيب خارجه يحدثها تارة ويبحث عن طريقة يخرجها من الجبّ ، ولكنه لم يستطع أخراجها ، ومن هنا تبدأ عقدة الحدث التي بنت عليها فكرتها .
وتنقل في واقع جديد خياليّ أسطوريّ حيث ينقذها مارد جنيّ من الغرق في الجبّ .. في حين وقف حبيبها علاء عاجزا يدعو الآلهة لنجاتها .
وتنتقل الصراف لتضعنا مع علاء وحكيم ينقذه ، ويتزوّد من مكوثه معه ومن خروجه الى أحياء المدينة ومشاهدات خبرات وتجارب حياتية ؛ تزوده ببعض من المعرفة ، وذلك بحنكة حائكة الصّوف التي تحوك كنزة بما يخدم اهدافها في إعطاء ملامح شخصية علاء التي تتطور بتطوّر الأحداث ولكنها تبقى في إطارها المحدود للعطاء ، ليصل في النهاية إلى حبيبته بدور في حدث يُبرِز حب الأنثى وعطائها وتضحياتها في سبيل الحبيب . وتتنامى ذروة الحدث في الرّبط مابين الخيال والواقع في صراع حواري بين علاء ومارد الجنّ في قاعة محكمة أرادتها الصراف ميدانا يكشف مفهوم الحب الذي تعتنقه وتؤمن به . وإيمان المارد الجني به كذلك على عكس علاء الذي يبخر آمال بدور به رغم مظاهر وأحاديث الحب التي أبرزها بنواياه الطيبة ، فتضع منى الصراف خاتمتها بلفته دراماتيكية غير متوقعة فيها الرّوعة والابداع والجمال الفكريّ الخصب لتُكسِب فكرتها عن الحبّ إطارها الذي تحدّده .
وأترك للقارىء مفاجأتها الرائعة من موقف الأنثى تجاه العاشق .......
في هذه الرواية الواقعة والسهلة الفكرة والعصية من حيث التّعبير عنها في رواية كاملة ، يتحدث فيها العاشقان ( علاء والمارد الجني وبدور ) من أولها وآخرها عن الحبّ .. يحتاج الروائي إلى مقدرة في امتلاك أدوات التعبير حيث جعلت من نفسها محقّقا ؛ فاعتمدت أسلوب الحوار بشكل طاغ في إظهار العواطف وتمتين أواصرها ؛ مع اللّجوء أحيانا الى الذاكرة ( Flah back ) في إبراز أحداث حبّ سابقة انتهت بالخيانة وهنا تتعرّض الصراف لمسألة حياتية هامة وتقع في المجتمعات كثيرا وهي انشغال الحبيب ( الزوج ) بالسعي في عمله وراء ملء خزانته بالأموال ؛ فيجعلها فريسة سهلة لمن يسد فراغ قلبها ، فتقع في الخيانة .
كما لجأت إلى الصّور الفنّية الجميلة المعبّرة ، والتقطت صورا حياتية بسيطة نراها في كلّ مكان ، ولا يخطر في ذهننا أن نتحدّث عنها وتضعها بين طّيات الأحداث تقوّيها وتُصَعِّدها .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق