محمد هشام الشماط > هند العميد.
قصة قصيرة.
تحليل .. ونقد.
رجال مُغْتَصَبُون.
هنا في بقعة الشرق، حيث التعريفات والتعليلات غالباً ما تكون محشورة بزاوية رأس مثلث لا منفد له.
فلا يغريكِ جمع ولاة الأمر الذين تتنوع أصنافهم، فهم ليسوا إلا مصابين بلعنة الموروثات، الَّتي تُرْغِم عقولهم على نبذ المنطق، أو تَقّبُّل فكرة تصحيح ما توارثوه.
فإن حاولتِ ان تُجاريهم لإقناعهِم بحجةٍ ما، فستحاصرين ما بين ضلعي وزاوية ذلك المثلث، المسمى بالـ: السعار الجنسي؛ فهو مرضٌ مُسْتَفْحِل فيهم؛ قد أعمى عينًا وشوَّه أخرى..
فالمُبصِرة لا ترى من بشاعة الاغتصاب إلا ذلك التشوه الغريب للمعنى المُعرَّى من معناهُ الحقيقي.. فقاموس كلماتهم لا تضمُّ الا من فُضَّتْ بكارتها رغمًا، أو وُطِئ فراشٍها قسرًا.. تحت ذلك التفسير.
ولا يَعَوْن أنَّ الاغتصاب الأكبر.. هو أن يؤخذ حقٌ من ذويه كرهًا! والرجال الشرقيون، هم أكثر المكرهين، فداءً للأعراف والتقاليد.. إذن: هم أكثر المغتَصبين ظلمًا..
انتهى هذا الحوار بين زوجين في ليلة، اتفقا على أن تكون (حمراء).. حين تَمَنَّعَتْ عنه بِدلال؛ لِتَتَحدَّاه.. إن استطاع أن يَجُرَّها لِفضائهِ دون اغتصاب.
تحليل ونقد.
تمهيد : الذكورية والفحولة ممسوحة كليًا في المجتمع الغربي، فالفتاة لا سلطة لأبيها أو أمِّها أو أخيها الذكر عليها، وأيُّ تهجم لفظي أو باليد عليها؛ تستدعي الشرطة، ويعاقب المُتَهَجِّم بالسجن حسب الادعاء.
أمَّا الدين الإسلامي؛ فقد جعل الرجال قَوَّامون على النساء، والدين بسماحته لم يقصد مفهوم التحكُّم السلبي بالمرأة، وإنما جعل لِلمرأة مكانتها، وكَفِل لها حقوقها. ومع ضعف الدول بانتهاء الخلافة الأموية، ثم العباسية، ثم العثمانية، وانتشار الأمية والجهل، وضعف الثقافة، شاع التحكم بالمرآة حياة ومستقبلًا، وزواجًا ومصيرًا؛ بشكل ظاهره العطف، وباطنه العنف، واعتبارها عند البعض سلعة، وأداة للجنس وإشباع الرغبات.
والكاتبة القصصية هند العميد؛ كتبت وبجرأة لم تَعْهَدها المرأة العراقية، حول الجنس بأسلوب رفيع، تُشَرِّح فيه الموروثات المجتمعية التي ترسخت في الذاكرة الجمعية الَّتي وَرِثَها أغلب الرجال في المجتمع العربي عامة، والعراقي خاصة، بِمِبْضَع الجرَّاح الخبير، بأسلوب أدبي رفيع. لا يستطيع الرجل العادي استيعابه، وكـأنها كتبته للفئة المُثّقَّفة؛ لِيقوموا هم بدورهم لشرحه لعامة الناس فيستوعبوه حسب قدراتهم العقلية والثقافية؛ فَتَتَجَنَّب بذلك صعوبة تَفَهُّم هؤلاء المُتَمَسِّكِين بالفحولة والرجولة.
استنتاج ما قبل بداية القصة :
انتهى العرس، ودَلَفا إلى غرفة الدُّخلة، تصاحبهما الزغاريد والتمنيات بقضاء ليلة سعيدة؛ أحلى ليالي العمر.. الَّتي بدأت تَخْفُت شيئًا فشيئًا عندما نزع عنها طرحة العروس، وأمسك بيدها تحت ظلال الغرفة الحمراء،
القصة :
جلس يُحَدِّثُها عن فحول مجتمعه، محاولًا إقناعها بأنَّه مختلف عنهم، ويُغَرِّد خارج سِرْبِهم من حيث مفهومه للجنس وقناعاته به، ومحاولًا تهدئة رَوْعِها وخوفها من الدُّخلة ، وإزالة غشاء البكارة ( الَّذي تخشى أغلب الفتيات هذه العملية ،وتشعر بالفوبيا من إحداثها ) ، مُتَّفِقًا معها على قضاء ليلة حمراء، يُمَتِّعُها بأفانين الممارسة الجنسية ، أو أفانين الغرام؛ لسنا ندري؟ وهي تُنْصِت إليه مُسايِرة، فهي الواثقة من نفسها ومعرفتها، تَعي كلَّ ما يقوله دون أن يشرحه؛ فتبدأ معه بداية ليلة حمراء لا نعرف إن كان كما قال، أم أنه لا زال من الفحول المُغْتَصَبِين..
فكيف تناولت القاصَّة هند العميد هذا الموضوع المثير!
في قصتها: رجال مُغْتَصَبُون، يخطفك العنوان إلى حلبة صراع فكري، يتبادر في ذهنك أن القصة ستدور حول رجال قد اُغْتِصِبُوا.. مَنْ يَدريّ ربَّما عندما كانوا أطفالًا، أو اختطفهم رجال لوطيون، أو عناصر أمن شاذين...
فمع مطلع القصة تلمس أنَّها تخاطب أنثى مثلها على لسان رجل يبدو من حواره أنَّه مُتَحَرِّر؛ يَعِي واقع رجال هذا الوطن، وفي هذا ابتعاد عمَّا ذكرته في البداية من التوجه إلى الفحول العوام الَّذين ركبوا موجة التخلف الفكري، ولا مجال لإقناعهم. وفي مخاطبتها لأنثى (العروس)هنا غاية؛ وهي أن تَعِي الأنثى ما وّعَته هند في نظرتها الثاقبة للمجتمع العربي المُتَخَلِّف فكريًا (من ناحية النظرة للأنثى على أنها للجنس ولإنجاب الأبناء)، وتأخذ دورها في معاملة الرجل الندِّ لِلندِّ، من منطلق الجنس بداية، إلى بقية أمور الحياة الزوجية. واختارت لحظة من أشد لحظات الخوف عند الأنثى وحرجًا ورهبةً؛ من تجربة جديدة مثيرة، مع رجل اختارها له زوجة دون حبٍّ، يصاحبها الخوف من دَمِ البكارة.. هذا الانتقاء الذكي من قبل هند لِلَيلة الدُّخلة بعد العرس الَّذي عَمَّ فيه الفرح العارم، والزغاريد والرقص والضحكات، والغمزات الفاسقة على ليلة مشتهاة لِكُلِّ أنثى، بَنَتْ عليها بناءها القصصي.
وهي في مخاطبتها تلك، تختار تراكيب لغوية قوية متينة، منتقاة بحذر وبدقة، لِتُبَلِّغ فكرتها لكل وضوح عن الرجل الشرقي. لكنها لا تسلك مسلك القصة القصيرة من حيث البناء القصصي حسب مكونات القصة؛ حيث تبدأ الأحداث في تصاعد وتَوَتُّر لِتصل إلى الذُّروة فالحلّ. وإنَّما تعمد إلى طرح رؤيتها لِلبُنْيَة الفكرية للفحولة والاغتصاب عبر حوار أحادي على لسان العريس الَّذي تطرح فيه العريس الواعي القليلِ المِثالِ ( الَّذي تَرُومُه هند للمجتمع )، والَّذي يريد أنْ يُقنع العروس من خلال طرحه؛ بأنَّه على عكس كلِّ فحول المجتمع مجتمعين، اَّلذين تتحدث عنهم، وتخلع عنهم ثياب أفكارهم المنغلقة والمحدودة؛ فمكانيًا تُحَدِّدُهم في بقعة الشرق، وهو عكس ما تَحَدَّثْتُ عنه في الغرب. وهؤلاء غير مُستثنى منهم أحد، فكلُّ وَلِيِّ أمرٍ.. بِدءًا من الحاكم، سياسيًا أو دينيًا وأعوانه، ومرورًا بكل المناصب حتى آخر وَلِيٍّ في البيت ؛ مُبْتَلَون بالسُّعار الجنسيِّ، الَّذي يُعْمِي أبصارهم وبَصِيرَتِهم، ولكن .. لماذا؟
وبنائيًا.. تبني اغتصابهم على :
- موروثاتهم دون إعمال العقل.
- حصر تفكيرهم حول الأنثى بالجنس.
- مفهوم الاغتصاب مقتصر في قاموسهم على الجنس.
- عدم إدراكهم أن الاغتصاب الحقيقي هو سلب حقوق الإنسان.
هذا الاغتصاب الأخير للرجال والذي تقصده ظلم الرجل بسلب حقوقه من مهده إلى لحده هو العمود الفقري للنص، من قمة الهرم الاجتماعي إلى قاعدته، سواء من وَلِيِّ أمرِ كلِّ واحد، أو بين الرجال أنفسهم حسب قوة الرجل ووقاحته في كل مناحي حياتهم، يدفعهم إلى اغتصاب (ظلم وسلب حقوقهم) بعضهم بعضًا، وتصريف الكَمَد والألم الَّذي يخفيه قسرًا في أعماقه من ذلك الاغتصاب، إلى الجنس الحيواني مع المرأة الضعيفة المُتَسَلَّط عليها في مجتمع قاهر، دون إقامة علاقة حب نِدِّيَة، يُشْعِرها بالخوف الدائم من الفحل الذكوري الَّذي سينقض عليها بادئًا حياتهما الزوجية دون حب ومراعاة لأنوثتها، وعلى الخصوص في ليلة الدخلة بِدَمِ بِكارتِها اغتصابًا. إلا إن كانت الأنثى قوية كالبطلة في هذه القصة الَّتي أمسكت بخيوط الليلة الحمراء بإدراك ووعي، وشخصية قوية تفهم عقلية أفراد مجتمعها، وتعرف كيف تتعامل مع تلك العقلية.
فالقصة لم تظهر بوضوح إلَّا في المقطع الأخير وكانت مُقْتَضَبَة مُوجَزَة، أحداثها تصاعدت بسرعة هائلة إلى الذروة، تولَّت الأنثى فيها إدارة الليلة الحمراء، بتصرف المرأة الواثقة بنفسها، وتركَتِ الحلَّ والخاتمة مفتوحة، ليس لِرؤية القارئ، وإنَّما لتلك العروس غير الواثقة بكلامه؛ إنْ كان عن قناعة أم مجرد كلام، عبر استخدامها لحرف الشرط (إنْ)؛ خاصة أنَّه يقوله الآن، ولم تُتَح لها الفرصة في فترة الخطوبة لِتَعرف
صِدْقَ كلامه هذا.
محمد هشام الشماط
ناقد أدبي وفني

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق