نهير القرية | قصة قصيرة| بقلم الاستاذ الأديب الكاتب الروائي موسى غافل الشطري

. . ليست هناك تعليقات:
قصة قصيرة

نهير القرية

استكانت القرية إلى قيلولة قائظة . كان كل شيء فيها يفور .
كان صبي هناك يرقب الطريق إلى ألنهير . تسلل دون أن يمنعه رقيب . كانت هناك فتاة شاخصة أمام باب دارها ، تتحرّى هي الأخرى عبر الطريق ، كأنها تبدي اهتماما بأمر ما . مرّ ألصبي مسرعا من أمامها لكي يتلافى أتون ألشمس . و ليختصر الطريق ، حيث ألقى ملابسه تحت فيء الشجرة التي تحجم ظلالها بفعل تعامد الشمس ، فتظللت المزلقة وكوّر ملابسه هناك . ألقى بجسده إلى ترعة الماء . كان يفضّل أن يختلي لوحده حتى يلهو دون منافس . فألقى بالماء من كفيه على تقعّر المزلقة التي تملّست بفعل أجساد الصغار . لاحت الفتاة قادمة و على رأسها أناء الماء ، في حين واظب هو على غطسه و مكوثه فترة أطول . قذفت الفتاة بإنائها إلى المجرى و هبطت خلفه، ملاحقة إيّاه و هو يندفع إلى أمام ، ثم عادت فيه ممتلئا إلى الضفة ، و ركنته مع عباءتها تحت فيء الشجرة .
انحدرت إلى النهير سابحة إلى العمق . بدأت كأنها تقرفص و ثوبها منتفخ و يعوم فوق كتفيها الغاطسين , مراوغة مع الماء. بدأ رأسها يغطس شيئا فشيئا و تبز الماء من فمها .بدأ جسدها ينساب مثل انسياب الأفعى ،غاطسا و عائما . ثم تختفي ثم تعوم نافضة رأسها ، و ماسحة أنفها بإصبعيها .
أنزلق الصبي و هبط سريعا و غطس . راقبت الفتاة هبوطه العاري و قالت :
ـــ ألم تخف و أنت لوحدك في الظهيرة ؟
قال ألصبي :
ــــ كلا .. لقد تعوّدت المجيء وحدي لكي ألهو أو أصيد السمك .
قالت الفتاة وهي تحرك الماء بذراعيها :
ـــ وأمك .. ألا تخشاها ؟
قال :
ـــ هي لا تدري. مرّات أفاجئها بجلب السمك فتفرح . و لكنها تعنّفني و تصلم أذني بعد ذلك .
قالت :
ـــ حسنا ..كيف ذلك.. كيف تصطاد السمك ؟
قال ضاحكا :
ـــ كيف أعلّمك؟ أن ذلك لا يتم إلا أثناء الصيد .
قالت الفتاة :
ـــ هل تستطيع أن تمسكني كما تصطاد السمك؟
بزّ الماء من فمه و قال ضاحكا:
ـــ بكل سهولة . إنك كبيرة و جسدك يحرّك الماء بأجمعه. و أستطيع الإمساك بك .
غاصت الفتاة . ثم تبعها سابحا و قد اقترب ليلامس جسدها و أمسكها بين ذراعيه . لكن الفتاة انزلقت و أطلّت ضاحكة :
ـــ ها .. ؟ كيف أذن تستطيع اصطياد سمكة في حين لا تقدرعلى الاحتفاظ بجسد كبير مثل جسدي ؟ أرني كيف تخلّص جسدك من قبضتي ؟
غاص الصبي ، لاحت لها حركة الماء بحيث تستطيع ملاحقته . اقتربت منه و أحس أنها تطبق عليه . أفلت الصبي صدره ، بينما دفع بقدمه اليمنى لكي تنغمس بالطين . كان قد انزلق و تحرر منتصرا . بدأت الفتاة تتأمل فيه لانسياب جسده الذي يندفع فوق الماء ثم يتقوّس قبل أن يغور .
قال :
ـــ إنني أنزلق من حصارك تماما كما تخلّصت من قبضتي . لكن جسدك يذكرني بطراوة أجساد السمك .
قالت :
ـــ ها.. أذن حاول مرّة ثانية.
سبح الصبي مبديا مراوغته و توغله بعيدا .راقب الماء الذي صفا فوق الفتاة ، واندفع مارّا من فوقها ليظهر لها مدى تفوقه و مهارته فتطبق عليه بعنف . ناضل لكي يتحرر من تشبثها . كان أمرا عسيرا ، استغرق وقتا غير قليل و هو يحاول أن يفلت .
أمعنت هي أن تبقي على هيمنتها عليه . لكنه واصل زحفه ، دافعا إيّاها إلى الجرف ، ويظل شعرها مرتخيا دون مقاومة ، يعلو و يهبط مع الموج ، كان هذا يثير ذعره : أن تكون قد ماتت .
فوجئ بصوت جارتهم التي تناولت إناء الماء من فوق رأسها و هي تتأملهما ثم صاحت بهما :
ــ ما الذي تفعلاه أيها الأبالسة ؟ حسنا ..سأقول لأمك لكي تنزع جلدك.
تناولت الجارة قفا الصبي و أشبعته صفعا ، و توعدته قائلة :
ـــ ستعرف ما الذي تصنعه أمك . انهضي أيتها الوقحة.
ولّى الصبي هاربا إلى الضفة الأخرى باتجاه أجمة القصب التي تلوح عن بعد. بينما نهضت الفتاة لتغتسل و ترتدي عباءتها و تمضي ، و المرأة تعنفها و تتوعدها .
جمعت الامرأة ثياب الصبي تحت إبطها و عادت باتجاه البيت ..من بعيد واصل الصبي مراقبة الجارة حيث غابت في بيتها ، ثم أطلّت خارجة باتجاه بيتهم, شاهد أمه و هي تطل من بعيد آتية مع الامرأة . تيقن أن أمه تنوي فيه شرا . فتراجع إلى الأجمة . و ظل يشاهدها تقف على ضفة النهير .كانت الامرأتان تبدوان في طريقهما إلى مخبئه . توغل الصبي داخل الأجمة . و شاهد راعيا يسرح بعنزاته و يستظل بعباءته .
قال الراعي مازحا :
ـــ ما هذا أيها الصبي ؟ أنك تبدو لحميا مثل فرخ العصافير الذي فقس توّا. قل لي .. لماذا أنت عار و تبكي ؟
قال الصبي:
ـــ أتوسّل إليك أن تخبئني لأن أمي ستسلخ جلدي . أرجوك أن تقسم بعدم ألبوح لها.
قال الراعي :
ــ حسنا يا أخي ، يتعين عليك أن تنبطح إلى جنب تلك الماعز التي تجتر كأنك جدْي يرضع ، أتشاهدها؟
قال :
ــ اجل أشاهدها .
قال الراعي : أنا سأجمع حولك القطيع لكي لا يشاهدك أحد.
جمع الراعي معزاته وهو يطلق صفيره و قال :
ــ أتلاحظ ؟ إنهن دائما يؤتين واجب الضيافة . حاوِلْ أن تثغ كالجدي لكي تضللهما .
رجاه الصبي باكيا :
ــ أرجوك هذا ليس وقت مزاح .
اقترب ضجيج الامرأتين . سمع الامرأة التي صفعته تقول لأمه :
ــ ربما لاذ بهذه الأجمة .
نادى الراعي عليه :
ــ أتسمع ؟ حضّر جلدك للصفع و العض .
قال الصبي بصوت واطئ وهو يبكي :
ـ أنت أقسمت ..سأموت بين أسنان أمي .
ضحك الراعي و قال :
نم و اهدأ. فأنا أسمع وقع خطواتهن قادمة .-
دخلت الامرأتان و أمه تسأل الراعي :
ــ فدتك خالتك .. هل شاهدت صبيا عار؟
قال الراعي وهو يغمزها :
ــ لا أيتها الخالة . ليس هنا سوى ذلك الجدي الذي يرضع أمه .هل تريدين أن تتأكدي ؟ أنها ولدته توا وعاريا من الشعر .
اقتربت المرأة التي صفعته من الماعز و أمسكت فيه و هو مذعورا و همست:
ــ لا تخف .. فإنّما ضربتك لأنك كدت أن تغرق .إيّاك أن تذكر شيئا عن البنت .
و سألته و هي تجرجر به رافعة صوتها :
ــ ما الذي جعلك تلتصق بالعنزة ؟ هل تتصوّر أنك صرت كبشا ؟
قال الراعي ضاحكا :
ــ حذار أيتها الخالة ، لا تدعيه يتعلق بالماعز. أنا أتمنى عليك أن تقطعي قرنيه .

موسى غافل





ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

3efrit blogger


أنا أبنك ياعراق وعاشگك حد الجنون لو تخون الدنيا كلها لا تظن أبنك يخون . أنا عــراقـي

تابعونا على الفيس بوك


مؤسسة السياب الإليكترونية تجمع ثقافي عربي بلا حدود

هل تعلمين .. وأنا أبحثُ عنّي ؟! كنتِ هنا فأكتفيتُ بأنكِ امرأتي التي حلمتُ بها لأرتديها قصيدة وألوّنها بالحروف . منى الصرّاف / العراق

# إبتسم .. الدنيا متسوه - ما إجتمع أربعة رجال بمكان واحد إلا وكانت النار وراء أفعالهم ! وما إجتمعت ثلاثة نساء بمكان آخر إلا وأحرقنّ الرابعة الغائبة ! منى الصرّاف / العراق

مؤسسة السياب للثقافة والآداب

مؤسسة السياب للثقافة والآداب

كل عام والمرأة اينما كانت بالف خير انتم نحن .. بعيدا عن فوضى الهويات .. نسكن الارض نفسها ونتنفس الهواء ذاته انه التعايش الانساني المشترك .. تجاوزنا حاجز الثقافة واللغة واسسنا لغة الجمال .. ( بقليل من الطين وكثير من الحب هكذا تصنع الاوطان ) منى الصرّاف / العراق

من منّا حين عجزت أدواته لم يحلم بفانوس سحريّ أو بساط طائر لتحقيق أمنياته ليصحو بعد ذلك لعيش قسوة الحياة ، كيف باستطاعتنا الدخول في معركة بمفردنا نعرف سلفا سنخرج منها بخسارة كبيرة ، حتى لو امتلكنا الشّجاعة لمطاردة أحلامنا ، فكيف نصل الهدف دون معرفة أدواته ، فللشجاعة أيضا أدواتها ، حين تكون اليد خالية فأحلامنا سرعان ما تذبل ، أمّا البطولة فهي تحدث فقط ! دون التخطيط لها . منى الصرّاف / العراق من رواية ( للعشق جناحان من نار )

روايتي ( بتوقيت بغداد ) وفي اول طرح لها في بغداد بعد مشاركتها في العديد من المعارض الدولية الصادرة عن دار النخبة في جمهورية مصر العربية ومجموعتي القصصية ( للخوف ظل طويل ) في طبعتها الثانية الصادرة عن دار كيوان في سوريا ستجدونها في بغداد - شارع المتنبي - مجمع الميالي في دار ومكتبة ... ( الكا ) للنشر وبامكان الدار ايصالها لاي شخص يرغب من المحافظات العراقية حين الاتصال بهاتفهم المعلن على واجهتها . الكاتبة والشاعرة منى الصراف

الـنصوص الأكثر قــراءة من قبل الزائرين

مجلة السياب الليكترونية / قــسم الارشيف

آخر المشاركات على موقعنا

لـــوجـه ابي بقلم الاستاذ الأديب جاسم العبيدي

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

الصفحة الرئيسية

مـن أجـل سـلامـتـك .... بـس خـليـك بالـبيت 🙆🙋🙇👫

مـن أجـل سـلامـتـك .... بـس خـليـك بالـبيت        🙆🙋🙇👫
نصائح للجميع حول الوقاية من جائحة كورونا: ١- أهمية التباعد الإجتماعي كون فيروس كورونا لم يثبت الى اليوم انتقاله عبر الهواء لذا خليك بالبيت وعند اختلاطك بالناس إحرص ان تكون المسافة بينك وبين الاخرين من متر ونص الى مترين . ٢- غسل اليدين بالماء والصابون بإستمرار ولمدة 40 ثانية عند خروجك من الأسواق والأماكن العامة وتجب ان لا تلمس وجهك أثناء وجودك بالأماكن العامة ، ويفضل عند تواجدك بالأماكن العامة أن ترتدي قفازات عند دخولك البيت يجب وإزالتها . ٣- لست بحاجة إلى ارتداء الكمام الطبي إلا اذا كنت تعاني من العطس او عندك شكوك أنك مصاب بفيروس كورونا ، ولكن يفضل إرتدائها عندما تكون في الأسواق والأماكن العامة حتى تتجنب لمس وجهك دون إدراكك على أن يتم رميها والتخلص منها قبل دخولك البيت وانتبه أن تكون إزالتها عن الوجه بالطريقة الصحيحة حتى تتجنب ملامسة اليد لها وذلك عن طريق رفع الخيط المتصل بالأذن اليسرى بإستخدام اليد اليمنى وسحبها باتجاه الإذن اليمنى أو العكس بالعكس دون ملامسة الوجة الخارجي للكمامة. ٤- إحرص على غسل مقابض أبواب البيت الرئيسية بالماء والصابون عند دخول أي فرد من أفراد العائلة.

About the site to your language

مساحة إعلانية

شروط النشر في مجموعتنا على الفيس بوك

1- يمنع منعاً باتاً مشاركة المنشورات والفديوات في النشر ولوحظ بعض المسؤولين والمشرفين بممارسة هذة الممارسه الخاطئة للاسف يمنع منعاً باتاً منح الموافقات للمنشورات الطائفية والتي فيها تجاوزعلى الذات الالهية والرموز الدينية والتاريخية ومنشورات الاعلانات التجارية 2- يمنع نشر بطاقات التهنئة للمناسبات الدينية والوطنية وتحية الصباح والمساء الامن قبل رئيس مجلس الادارة ومدير التحرير للمجلة ومن ينوبهما فقط 3 -تحدد المنشورة بمنشور واحد فقط للعضوا في اليوم اعتباراً من هذا اليوم1تموز2017 واثنين للمسؤولين والمشرفين تقديراً لجهودهم على الجميع الالتزام بما ورد اعلاه مع الشكر والتقدير للجميع . الاستاذ الأديب الشاعر ماجد محمد طلال السوداني مستشار مؤسسة مؤسسة السياب اليكترونية للادب والثقافة والمشرف الاداري العام للمؤسسة والمسؤول عن تنفيذ سياستها

مساحة إعلانية

مؤسسة السياب للثقافة والآداب للمزيد من المعلومات والاستفسار الإتصال بنا على الهاتف مراعاة الرمز البلد(العراق) 00964 07803776116

تــــنويــة

كاريكاتير اليوم

كاريكاتير اليوم