من رموز البصرة
النورس البصري
إلى روح صديقي الشاعر المرحوم
مصطفى عبد الله *
(ولد في البصرة ومات مغترباً في المغرب )
أيُّها الشّاطئُ المَنفيُّ في عيونِ نوارسِه . . .
إنّهُ
كانَ بلا أجنحة
لكنّهُ كان قادراً على الطّيران . . .
لِمَ تُوقدُ شموعاً بدمعٍ
يسخرُ من ألم ؟
وأنتَ ترى بقايا
ألقى بها البحرُ إليك
أهكذا يودعُ أسيادَهُ الموْج !
. . . . .
في أزقّةِ العشّار
أودعتْ ثيابَها القصيدةُ جعْبةَ صُعلوكٍ
يبحثُ عمّا يحتسيهِ عروةُ بن الورد . . .
تتجاذبُهُ شطحاتٌ مجنونة
لا تأبَهُ بما حولَها
إلى مجلسٍ
تتفسّخُ فيهِ الأسماء . . .
لا حديثَ
يغسلُ عينيْه من رَمَد . . .
صنميّون
يقتسمونَ الظّلامَ في صُواعٍ مسروق
ليس لهم إلآ ما لنبّاشٍ
يسرقُ الأكفانَ في زمنٍ غابر . . .
. . . . .
ريحٌ جنوبيّة
تحملُ الهولو١ مُشبعاً برائحةِ البحر
تلتصقُ بأجسادٍ
تتنفّسُ همّاً يوميّاُ لا يُغادر . . .
كبارٌ
يحضرون من غيرِ بساطٍ أحمر
فهم لا يُحسنون خُيلاءَ السّنابلِ الفارغة
يجلسون على رصيفٍ حجريّ . . .
محفوظ
يصفّقُ لاولادِ حارتهِ العابرينَ متاريسَ الخوْف . . . ٢
ولسن
يتحدّثُ عن ساعاتِ ضياعِهِ الأخيرةَ في سوهو ٣
هيمنغواي
يعلنُ أنّ أجراساًجديدةً ستُقرَع . . .٤
وآخرون عيونٌ
يشربونَ الشّايَ فقط . . .
. . . . .
مع صاحبِ صفراء
لا يصحبُها حَزن
ساعةَ تنفلتُ من دثارِها عارية . . .
يتسارّان . . .
ثم
يغادرانِ إلى أقربِ حانةٍ بائسة
تنشرُ غسيلَها على حبلٍ فاسق . . .
بينَ ( ليتَ للبرّاقِ عيناً . . . )٥
طقطقةِ (هان الود ) . . .٦
تصطرعُ في فمهِ حروفٌ لبتراءَ
علّقها ابنُ ثقيفٍ على نصلِ سيفِه
لتنتهيَ لعنةً ثملةً على لسانِ صعلوكٍ
يتأبّطُ كتاباً !
. . . . .
تضيقُ بيومِها ذاتُ حنّاءٍ وسعْف
رِئةً مثقوبة
لم تدعْهُ
يتنفّسُ كونَهُ كما يُريد . . .
أربابٌ بظلٍّ مُستعار
ترقُّ خطوطَ الطّولِ والعَرض
أبجديّةَ البوْح
بيوتَ الله . . .
الزّمنُ
يُخنقُ بحبلٍ من مَسد . . .
ذهبَ بعيداً
ما كانَ يرسمُهُ بألوانِ غدٍ مفتوحِ الأزرار . . .
وسادتُهُ مقبرة
لم تعُدْ تستوعبُ أحلاماً ميّتة . . .
سئمَ أنْ يستمرَّ حفّاراً
تقتاتُ صمتَهُ القبور . . .
الدّورانُ
يبتسمُ لرَحاه
لا يخلّفُ إلآ علاماتِ استفهامٍ لا تلحقُ به !
. . . . .
رحيل . . .
القلبُ بوصلةٌ لا تُخطئ
لكنْ
ما لشطِّها أنْ يستحيلَ جَرّةً تُحمَل . . .
كيفَ لخصيبِها أنْ يتصحّرَ ثُمالةً في آخرِ كأس ؟
هي
مَنْ إليها
يُشدُّ الرّحال . . .
لا تعذليه . . .
أُبرمَ ما قدْ تباعدَ في قادمِ يومِه . . .
استودعَ أبنُ زريقٍ بغدادَ قمراً
فماذا استوعَ ابنُ عبدِ اللهِ البصرة ؟
قذفتْهُ في أقصاها جُرحاً لآخرِ الدّواء . . .
لكنَّ العِشقَ لا تُفتتْهُ غُربة !
فهلْ سيعودُ أُديسيوس سالماً من رحلةِ الموت ؟
. . . . .
بنشوةِ قُبْلةٍ
ذوّبتْ شفاهَ السّفر
لبيضاءَ أذهلتْهُ . . .
بعدَ سمراءَ
اشترتْ منهُ نظرةَ عشقِهِ الأُولى . . .٧
هُنا
ضليلٌ
استيقظَ في جفونهِ نومٌ أبدي . . .
لامستْ روحُهُ الثّرى
لكنْ
ليسَ قبلَ أنْ يَهَبَ العشقَ أنفاسَهُ الأخيرة . . .
أوّاه
لو أنّ جناحَ هُدهُدٍ
يأتيهِ بنبأٍ من بصرته . . .
لاتَ حينَ خيارٍ بينَ هذا وذاك
كُلُّ شئٍ في عينيْه يَحتضر
إلآ متاهاتِ صِباه . . .
قصائدَ لم يطمثْهنَّ مُنبرٌ بعد . . .
أماسيَ
ما ارتديْنَ دونَ مُحتسٍ حجاباً . . .
لكنَّهُ الغروبُ بذيلهِ الأصفر
يعبثُ بآخرِ أوراقِه . . .
لا يُدرى على أيِّ طيفٍ
أُطبقتْ جفون ؟
أيُّها المُتصدّقُ على بلدِكَ بقبر . . .
نَمْ
عسى
أنْ تغشاكَ رحمةٌ من ليلِ مرابدِه !
. . . . .
عبد الجبار الفياض
كانون الأول/ 2018
١- موال بحري .
٢- رواية أولاد حارتنا : نجيب محفوظ .
٣- ضياع في سوهو : الإنجليزي كولن ولسن .
٤- لمن تقرع الأجراس ؟ : أرنست هيمنغواي .
من بعض ما كان يدور بيننا .
٥- القصيدة المعروفة التي تغنيها اسمهان
٦- اغنية لعبد الوهاب .
٧- البيضاء المغرب حيث توفي الشاعر فيها مهاجرا في ١/١١/١٩٨٩
ولاشك أن السمراء هي البصرة .
* مصطفى بن عبدالله البصري.
ولد في منطقة أبي الخصيب (البصرة)، وتوفي في المغرب.
عاش في العراق، والمغرب.
تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدينة البصرة (1953 - 1964)، ثم التحق بكلية العلوم جامعة البصرة، وتخرج فيها (1968).
عمل بتدريس مادة الكيمياء في عدد من مدارس البصرة (1968 - 1979)، ثم قصد المغرب واستقر فيها وعمل بالتدريس (1980 - 1989).
كان عضوًا باتحاد الأدباء فرع البصرة.
الإنتاج الشعري:
- له ديوان: «مكاشفات ما بعد الرحيل» - دار المدى - دمشق 1999، و«الأجنبي الجميل» - جمعه: عبدالكريم كاصد - دار الشؤون الثقافية العامة - بغداد 2004، وله قصائد نشرت في عدد من الدوريات العراقية، وله ديوان مخطوط بعنوان: «بين الكل».(منقول) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق