رحلة تحت المطر ~^~ بقلم الأستاذ الشاعر فؤاد حسن محمد / سوريا

. . ليست هناك تعليقات:

رحلة تحت المطر

غزارة المطر الشتوي كتمت نفسي ، ركبت دراجتي الهوائية ، وحلمت بحمام سماوي يغسل جسدي ، أحسست بلسعات حبات المطر المستفزة على وجهي ، دائما كان السير تحت المطر حلما من أحلامي ، وكأن ماء السماء يطهر النفس من قذارة الأرض ،عصفت ريح قوية فتطايرت أوراق الشجر وحطت على الأرض ، وكانت الطريق خالية من البشر ومليئة بالوحل ،منظر هذه الأشياء يجعلني أشعر أني خيال ، شبح، إن لم أكن قادر على تلقى المطر دفعة واحدة ، فيجب أن لا أفقد الصلة معه .
بدوت وكأني أغرق في عالم آخر،والبعض ينظر إلي بدهشة ، هل صحيح أن المرأة ذات الشعر الأسود ، قالت وهي تتابعني من وراء النافذة :
-اه ..  لو كنت معه... إنه منظر وكأنه في بلد آخر
أنصت إليها تهامسني بلهجة ريفية محلية :
- أتأخذني معك
ودون أن أفهم ولو جزء يسير مما حدث ،جلست على المقعد ربما هي نفس المرأة ،وأرتفع صوت من ورائي :
_ أنا أعرفك ...ولدي صورة معك منذ كنت طفلة
تقدمت إلى الأمام بسرعة أكبر ، والتفت حولي محاولا تفسير الأمر ، فلم أجد أحدا ، وجهت لها كلاما عبر ضجة  قطرات المطر ،تبدد في الهواء :
- عرفيني عن نفسك
حادثة مهيبة تحرك عالمي الصغير ،لقد وجدت نفسي آذان صاغية ،شيء ليس تافها أن تكون امرأة مع رجل ،تابعت بانتباه متى ستبدأ بالكلام ،امتدت يداها الناحلتان وأحاطتا بخصري ، وأرخت رأسها على كتفي ،فبدأت أشعر بضغط صدرها على ظهري ، في نهاية أحد الممرات ،بحثت عنها ورائي فلم أجد أحدا ،كانت قد اختفت .
دخلت في صراع مع حيرتي ، ففي كثير من الأحيان تمر بخيالي تهيئات أسميهم بالضحايا ، أرسلهم برمشة عين إلى الخفاء ، بل أكثر من ذلك أحطمهم قبل أن يصيروا حقيقة .
كانت أمطار تشرين قد همت منذ ساعة ،فكرت في لحظة هل نشأت تلك المرأة من شعور خفي بالذنب ، أوقفت الدراجة  على طرف الجسر ، فاستطعت أن أرى حبات المطر ترسم دوائر صغيرة على صفحة النهر ،عصفت ريح قوية وعادت السماء تنثر الماء بغزارة ، لم تكن العين تقع إلا على الماء ، أنا أسمع كيف يبدأ الجنون قرب الماء ،لحظة يختلط صوت المطر برائحة التراب ، ويتدفق هذا كله في أزيز جهنمي في دهليز أذني ،عندئذ لا شيء إلا الرهاب ،وارتعاش في الرؤيا .
ثمة رأي يقول أن الحلم عقد حلفا مع الشيطان ،وأنه يوسوس للإنسان زخرف القول ،فيظهر لهم بشكل امرأة جميلة .
المطر يعصف وجهي بقوة ، دسست يدي في جيبي سروالي ،وحيدين أنا والمطر ،لا أحد هنا يستطيع أن يحرمني هذا الاغتسال ،ومغادرة حلمي هذا الجسد ليسكن في الأماكن الطاهرة ،ربما أن الله خلق المطر ليتيح للعاشق أن يكمل ما نقص من حلمه ،جمعت بكل صعوبة كل تفاصيل امرأتي وبدأت أجسدها في روح المطر .
تسمرت فوق الجسر  أرتسم شخصها الرقيق على صفحة النهر ،هل سألتقي بها ،وأقترب من عاتكة ،أهكذا سنلتقي أنا أتأمل النهر وأنت تخرجين من الماء الصارخ ، آه يا عاتكة  إن المطر يشبهك ،هل تذكرين كيف كنت لا أختار اللحظة المناسبة ، غشيم ،وقفت بين يديك أخرقا مشوشا ، ،يتملك نظري تورد الخجل في وجنتيك ،فكان ينسل حبي بالتدريج إلى عالمك ، الهواء مازال يلفح وجهينا بحبات المطر ،وحاولت أن أبصق بكل ما أوتيت من قوة خجلي ، وأتمتع بمعانقة الزمن ،وتلألأ النجوم في سحنتك الحنطية وأنت تصغين إلى ارتباكتي :
- أحبك
متى قلتها يجب أن يصبح الاثنين واحدا ،يكفي أن تسقط قطرة مطر واحدة كي تتداعى ذكريات هذا الحب ،وملامح وجهك وأنت ترمقيني أنفث دخان سيجارتي في وجهك ، وبدلا من ذلك ارتعدت ،وألحت علي رغبة أن أحطم المظلة التي تحمينا من المطر ،لأني لم أستطع أن أبوح بمدى حبي لك ، وها أنت ينكمش وجهك بالخيبة ،وقعت عيناي فجأة على وجهك الذي يشبه كثيرا أيقونة ملائكية ،قلت لي :
- الحب يصبح سافلا إذا لم تلتقطه قبل أن يقع

سرت ، خطوتين ...ثلاثة كنت أصغي إلى صوت الريح ،شعرت بشيء يتحرك ورائي ، نظرت ، فرأيت ذبذبة خيال أنثى يتماوج مع حبال المطر الملتوية ،أحيانا تظهر وأحيانا تختفي فجأة وتذوب في حبات المطر ، مع ذلك صوتها المغناج لا يترك رأسي :
- تعال إلمس طرف قميصي
ينسل صوتها كجرثومة في مسامات القلب ،رنوت إلى وجهها المجلل باللهيب ،الذي  غمر كل شيء ، واظبت على التحديق كمن أصابه مس من البلاهة ،هتفت لي بصوت خفيض :
- أحمد
تدحرجت بين حبات المطر مستأنفا النظر إلى قميصها المبلل الملتصق بشده على ثدييها ،وتخيلت يديَّ تحل الأزرار ببط ء لتكشف عن الكنز الخبيئ قرب لعنة الشهوة ، قالت كمن تقرأ أفكاري :
- أنا خرجت من المطر لأطفئ عطشك
نظرت إلى تفاصيل جسدها ، أصبت بالخيبة من جمالها، وأدركت أني حالم ولدي تصورات أجمل عن عاتكة   ، وأن حلمي أكثر أهمية من تحقيقه ،قلت لها :
- العاشقون يعيشون أحلامهم ويفتخرون أنها لا تتحقق ؟؟؟!!
ثم أدرت دراجتي الهوائية ، وغادرت .

فؤاد حسن محمد – جبلة- سوريا

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

3efrit blogger


أنا أبنك ياعراق وعاشگك حد الجنون لو تخون الدنيا كلها لا تظن أبنك يخون . أنا عــراقـي

تابعونا على الفيس بوك


مؤسسة السياب الإليكترونية تجمع ثقافي عربي بلا حدود

هل تعلمين .. وأنا أبحثُ عنّي ؟! كنتِ هنا فأكتفيتُ بأنكِ امرأتي التي حلمتُ بها لأرتديها قصيدة وألوّنها بالحروف . منى الصرّاف / العراق

# إبتسم .. الدنيا متسوه - ما إجتمع أربعة رجال بمكان واحد إلا وكانت النار وراء أفعالهم ! وما إجتمعت ثلاثة نساء بمكان آخر إلا وأحرقنّ الرابعة الغائبة ! منى الصرّاف / العراق

مؤسسة السياب للثقافة والآداب

مؤسسة السياب للثقافة والآداب

كل عام والمرأة اينما كانت بالف خير انتم نحن .. بعيدا عن فوضى الهويات .. نسكن الارض نفسها ونتنفس الهواء ذاته انه التعايش الانساني المشترك .. تجاوزنا حاجز الثقافة واللغة واسسنا لغة الجمال .. ( بقليل من الطين وكثير من الحب هكذا تصنع الاوطان ) منى الصرّاف / العراق

من منّا حين عجزت أدواته لم يحلم بفانوس سحريّ أو بساط طائر لتحقيق أمنياته ليصحو بعد ذلك لعيش قسوة الحياة ، كيف باستطاعتنا الدخول في معركة بمفردنا نعرف سلفا سنخرج منها بخسارة كبيرة ، حتى لو امتلكنا الشّجاعة لمطاردة أحلامنا ، فكيف نصل الهدف دون معرفة أدواته ، فللشجاعة أيضا أدواتها ، حين تكون اليد خالية فأحلامنا سرعان ما تذبل ، أمّا البطولة فهي تحدث فقط ! دون التخطيط لها . منى الصرّاف / العراق من رواية ( للعشق جناحان من نار )

روايتي ( بتوقيت بغداد ) وفي اول طرح لها في بغداد بعد مشاركتها في العديد من المعارض الدولية الصادرة عن دار النخبة في جمهورية مصر العربية ومجموعتي القصصية ( للخوف ظل طويل ) في طبعتها الثانية الصادرة عن دار كيوان في سوريا ستجدونها في بغداد - شارع المتنبي - مجمع الميالي في دار ومكتبة ... ( الكا ) للنشر وبامكان الدار ايصالها لاي شخص يرغب من المحافظات العراقية حين الاتصال بهاتفهم المعلن على واجهتها . الكاتبة والشاعرة منى الصراف

مجلة السياب الليكترونية / قــسم الارشيف

آخر المشاركات على موقعنا

لـــوجـه ابي بقلم الاستاذ الأديب جاسم العبيدي

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

الصفحة الرئيسية

مـن أجـل سـلامـتـك .... بـس خـليـك بالـبيت 🙆🙋🙇👫

مـن أجـل سـلامـتـك .... بـس خـليـك بالـبيت        🙆🙋🙇👫
نصائح للجميع حول الوقاية من جائحة كورونا: ١- أهمية التباعد الإجتماعي كون فيروس كورونا لم يثبت الى اليوم انتقاله عبر الهواء لذا خليك بالبيت وعند اختلاطك بالناس إحرص ان تكون المسافة بينك وبين الاخرين من متر ونص الى مترين . ٢- غسل اليدين بالماء والصابون بإستمرار ولمدة 40 ثانية عند خروجك من الأسواق والأماكن العامة وتجب ان لا تلمس وجهك أثناء وجودك بالأماكن العامة ، ويفضل عند تواجدك بالأماكن العامة أن ترتدي قفازات عند دخولك البيت يجب وإزالتها . ٣- لست بحاجة إلى ارتداء الكمام الطبي إلا اذا كنت تعاني من العطس او عندك شكوك أنك مصاب بفيروس كورونا ، ولكن يفضل إرتدائها عندما تكون في الأسواق والأماكن العامة حتى تتجنب لمس وجهك دون إدراكك على أن يتم رميها والتخلص منها قبل دخولك البيت وانتبه أن تكون إزالتها عن الوجه بالطريقة الصحيحة حتى تتجنب ملامسة اليد لها وذلك عن طريق رفع الخيط المتصل بالأذن اليسرى بإستخدام اليد اليمنى وسحبها باتجاه الإذن اليمنى أو العكس بالعكس دون ملامسة الوجة الخارجي للكمامة. ٤- إحرص على غسل مقابض أبواب البيت الرئيسية بالماء والصابون عند دخول أي فرد من أفراد العائلة.

About the site to your language

مساحة إعلانية

شروط النشر في مجموعتنا على الفيس بوك

1- يمنع منعاً باتاً مشاركة المنشورات والفديوات في النشر ولوحظ بعض المسؤولين والمشرفين بممارسة هذة الممارسه الخاطئة للاسف يمنع منعاً باتاً منح الموافقات للمنشورات الطائفية والتي فيها تجاوزعلى الذات الالهية والرموز الدينية والتاريخية ومنشورات الاعلانات التجارية 2- يمنع نشر بطاقات التهنئة للمناسبات الدينية والوطنية وتحية الصباح والمساء الامن قبل رئيس مجلس الادارة ومدير التحرير للمجلة ومن ينوبهما فقط 3 -تحدد المنشورة بمنشور واحد فقط للعضوا في اليوم اعتباراً من هذا اليوم1تموز2017 واثنين للمسؤولين والمشرفين تقديراً لجهودهم على الجميع الالتزام بما ورد اعلاه مع الشكر والتقدير للجميع . الاستاذ الأديب الشاعر ماجد محمد طلال السوداني مستشار مؤسسة مؤسسة السياب اليكترونية للادب والثقافة والمشرف الاداري العام للمؤسسة والمسؤول عن تنفيذ سياستها

مساحة إعلانية

مؤسسة السياب للثقافة والآداب للمزيد من المعلومات والاستفسار الإتصال بنا على الهاتف مراعاة الرمز البلد(العراق) 00964 07803776116

تــــنويــة

كاريكاتير اليوم

كاريكاتير اليوم